يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

للوراء در!


بعد قرار الأمانة العامة الأخير لحزب التجمع بتأجيل المؤتمر العام للحزب الى ما بعد انتهاء مجلس الشعب الذي لا يعرف احد موعدها حتى الآن، وبعد استقالة العديد من قيادات الحزب وتجميد عدد آخر لعضويته، في نفس الوقت التي تعقد فيه عدد من لجان محافظات الحزب اجتماعات متتابعة لإعلان رفضها لقرار التأجيل الذي أتى بأمانة عامة لا تعبر عن الحزب، لأن أغلب من حضروها ليس لهم حق التعبير عن محافظاتهم وفقاً لنتائج انتخابات المحافظات تمهيداً لانتخابات الهيئات القيادية .

خرج علينا المفكر والمناضل الكبير باقتراحات جديدة ومن قبلها كان قد صرح بأقوال وتصريحات غريبة، فمن حق المفكر الكبير أن يقول ويفعل ما يحلو له، وليس من حقنا التعليق على ما يقوله أو وصفه بأنه كلام غير منطقي، لكن لا يجوز أن يصدر من مفكر وسياسي كبير مثل الدكتور رفعت السعيد، كلام يصف به الشبان الذين خرجوا للثورة بالتفاهة، ويقول لهم "كلها ساعتين ويلموكم في المعتقل" ومن حقه أن يقول رأيه بصراحة حتى لو كان رأيه ينطوي على بعض التجريح وينال من هؤلاء الشباب الذين خرجوا للتعبير عن رأيهم ومطالبين بالحرية والتغيير، وكان يتهمهم بأنهم يزايدون في مطالبهم ويرفعون سقفها لحد كبير جداً، حيث صرح بأن التجمع لن يشارك في يوم 25 يناير بينما كان شباب الحزب وشيوخه ونسائه في الشارع مع الثوار، كان يجب أن ينظر حوله.

وبعد أن قضى أكثر من 60 عاماً في النضال والعمل السياسي، وهو الذي كان أصغر معتقل سياسي حيث دخل المعتقل وهو "بشورت" وكان واحداً من أباطرة التاريخ، يعود اليوم ويخرج علينا يريد أن يترشح لموقع الأمين العام، من حق أي أحد أن يترشح ولكنك يا دكتور كنت أميناً عاماً لفترتين ثم رئيساً للحزب لمدتين، آلا يكفي هذا وتنظر حولك لتتيح الفرصة لغيرك، وأنت كنت تنادي بتداول السلطة ولا تريد الآن تطبيقها.

يجب عليك الآن أيها السياسي الكبير أن تنظر حولك، لتدرك وتسمع أن أغلبية المشاركين في المؤتمر السابع يقولون لك "ارحل" لأنك كنت طاووس النظام السابق، وضيف شرفه الذي كان يحتفى به ويتباهى بريشه وألوانه أمام المعارضة.

كان الجميع يتمنى أن تعلن عدم ترشحك لأي موقع في الحزب والتفرغ للكتابة مثل باقي مفكري اليسار، ولكن عفواً..... للوراء در.

المنافقون

من لم يشعر بالحاجة إلى الصلاة فلا يصلي، ولا يتظاهر بها لأنه لا فائدة من ذلك يوم القيامة، فكل واحد منا في مواجهة ضميره ومسؤول عن أفعاله أمام الله عز وجل، وليقرر كل منا مايريده فلا أحد يستطيع أن يرغمه بأن يكون مؤمناً، فكل منا قام بواجبه تجاه ضميره، وفي كل الأحوال الاسلام دين يسر لا دين عسر، فيكفي أن نكون مؤمنين، أنا نؤمن بالله لاشريك له وبالأنبياء جميعاً وبمحمد صلى الله عليه وسلم آخرهم، ولا نكذب ولا نسرق ولا نسيء للآخرين ونحسن معاملتهم ولا نقتل النفس إلا بالحق، أما الباقي فيما يخص كل واحد منا فهي علاقة بين العبد وربه، ولا إكراه في الدين، ونحن على يقين بأنه لا أحد يملك مفاتيح الجنة ولا تصريح دخولها، لأننا على يقين أنَا نملك من حُسن الظن بالله ما يخولنا لدخولها.

كانت هناك سيدة أعمال محجبة تؤدي الفرائض وتعتمر كل عام وتحج كل خمس سنوات وتنصح الملتزمات من صديقاتها بعدم وضع الكحل وأحمر الشفاه لأنه يلفت النظر ويشوه الالتزام الديني، اتفقت على شراء ثلاث شاليهات قيد التشطيب، وقبل إتمام عملية الشراء بيوم قررت الاكتفاء بشاليه واحد فقط، وغاب عن محاسب الشركة تغيير عقد البيع، فتم تسجيل الشاليهات الثلاثة باسمها في الشهر العقاري وبعد اكتشاف الخطأ، جن جنون الشركة المالكة وحاولوا إقناعها بإعادة التسجيل، لكنها رفضت وقالت إن هذا رزق من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن لديها أدنى شك في أنها اغتصبت حق غيرها.

في كتابه "مصر على دكة الاحتياط" يتحدث الكاتب علاء الأسواني عن صاحب مطعم كباب معروف بتدينه الشديد، ويشترط التدين في من يعمل لديه، ويغلق المطعم في أوقات الصلاة ويمتنع عن البيع ويؤم العاملين عنده في صلاة الجماعة، والعاملون على جباههم علامة السجود ويبدؤون المكالمات التليفونية "بسلام عليكم" ويضعون كلمة إن شاء الله في كل جملهم، والعاملات جميعاً محجبات يرتدين الزي الإسلامي الفضفاض، ويتولى صاحب المطعم الإنفاق على أحد المساجد من جيبه، ويخصص مبلغاً كل فترة لتجديد المبنى وطلائه وشراء الحصير والمراوح الكهربائية وكل ما يلزم المصلين، كل هذا جيد ولا اعتراض عليه، لكن الغريب أن هذا التدين الشديد لا يمتد أبداً إلى طريقة العمل في المطعم، فالأسعار مبالغ فيها تصل إلى ضعف الأسعار في المطاعم الأخرى، واللحم يتم وزنه قبل الشواء على قطعة سميكة جداً من الورق المقوى، تؤدي إلى أن يحصل الزبون على لحم أقل من الذي دفع ثمنه، إضافة إلى مخالافات أخرى سجلتها الأجهزة الرقابية واستطاع الحاج دائماً أن يفلت منها بعلاقاته واكرامياته، والمفارقة هنا بين حرص صاحب المطعم على أداء فروض الدين واستيفاء مظاهره، وتلاعبه في الوقت نفسه في الأسعار والأوزان، وهو ليس منافقاً بالمعنى التقليدي وهو لا يشعر بأنه متناقض مع تصرفاته، وعدم أمانته مع زبائنه لا تخدش عنده إحساسه بالتقوى، وهو يكسب بفضل المغالاة في الأسعار والتلاعب أموالاً طائلة يقتطع منها جزءاً بسيطاً يتصدق به على الفقراء، فينام قرير العين مرتاح الضمير.

ويضيف الدكتور الأسواني:هذا الفهم للدين سبب رئيسي في تخلفنا عن العالم، فقد استبدل الحاج الكبابجي بمبادىء الدين الحقيقية تديناً شكلياً مريحاً لا يكلفه موقفاً جاداً ولا تضحية حقيقية، فالدين الحقيقي يدعو إلى العدل والأمانة، لكن إدارة المطعم بالأمانة ستؤدي إلى خسارة كبيرة في الأرباح، بينما التدين البديل لا يكلف شيئاً لأنه يقف عند الشكل والعبادات، يبدأ وينتهي عند الحجاب وصلاة الجماعة والصيام وأداء الحج والعمرة.

زمن التقييم

نشرته في جريدة أهالينا

اصبحنا في زمن الناس يقيمون بعضهم بما يلبسون وما يقتنون، بالعربية بالساعة بالرصيد في البنك، وقيمة الشخص ترتفع بمقدار ما يملك، فأصبحت الحياة مجرد مظهر، مع أنه بالكفاح والموهبة والمثابرة، يستطيع المكافح أن يجد له مكاناً تحت الشمس، ولكن بعض المكافحين قد تغرب عنهم الشمس قبل أن يتمتعوا بأشعة النجاح، فقد مضى عصر أبي تمام الذي كان يملىء الماء في جرة ليبيعه، وأبي العتاهية الذي كان يبيع الفخار، والجاحظ الذي كان يبيع الخبز والاسماك كي يعيش، مثل هؤلاء وغيرهم قضوا سنوات في تحسين أعمالهم، ولم يشغلهم المظهر ومتطلباته، ولا شك بأن الأناقة ضرورية، ولكن سمة المبالغة في كل شيء هي التي تطغى في عصرنا، والتقييم وحسن الاستقبال والتقدير يخضع لحجم ومقدار هذه المبالغات.

اصبحنا اليوم في مجتمع استهلاكي مريض يقيس البشر بمدى ما يملكون من مال وما يقتنون من نفائس، لا بقيمهم الأخلاقية والفكرية والمعنوية، ولا بما تحتويه عقولهم وقلوبهم من أفكار ومشاعر، ولا حتى بطريقة سلوكهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين، ولا ألوم الأغنياء على حقهم المشروع في عيش نمط الحياة الذي يريدونه، ولست ممن يرون ضرورة اقتصار الكماليات على طبقة الأغنياء والميسورين، فلكل إنسان الحق في تطوير ظروف حياته.

منذ أيام كنت وزميل لي بالقرب من احدى الفنادق الكبرى المطلة على النيل، حيث كنا هناك لمتابعة بعض الاعمال والتي فرضت وجودنا منذ الصباح الباكر، وبعد انتهاءنا كان قد حل بنا الجوع والتعب والارهاق، فقررنا الصعود للطابق الأخير في الفندق، حيث يوجد مطعم فاخر ومطل على اطلالة جميلة، وحين صعدنا ودخلنا قابلنا موظفا الاستقبال، فاعتذر الأول عن عدم وجود مكان لشخصين وأن الحجز يتم قبل الموعد بيوم، والثاني قال لا يسمح بالدخول إلا بالبدل والأحذية الجلدية، فشعرت من نظراتهم أن هناك خطأ ما في مظهرنا فنظرة لحذائي "وكتشي" زميلي والبناطيل الجينز التي نرتديها والقمصان العادية، وفهمت ما لم يقولاه، فغادرنا المطعم وأكلنا وجبة سريعة من مكان آخر وانصرفنا.

في اليوم الثاني دعوت زميلي إلى نفس المطعم وطلبت منه ارتداء حذائه وأفضل بدلة عنده، وفعلت أنا كذلك بعد أن وضعت في اصبعي خاتم جميل في نفس اليد التي فيها ساعتي الثمينة ورششنا عطر غالي وذهبنا من غير حجز، فاستقبلانا نفس الموظفان والابتسامات تشطر وجههما، وأدخلانا من دون موعد حجز، وبادرا بالاعتذار عن سوء الفهم الذي حصل بالأمس، لقد تصورا أن الملابس والمقتنيات والمظهر هم الذين سيحددون حجم البقشيش وليس من يرتديهم، لذلك لم ندفع جنيه واحد زيادة على الفاتورة، على الرغم من الخدمة الخيالية التي حظينا بها.

أنا لا أدين الموظفان كأشخاص على فعلتهم، فهم مثال لكثير من ضحايا المظاهر، نعم ضحايا لأنهم لو كانوا بكامل قواهم النفسية والفكرية، لما وقعوا تحت سطوة المظهر.

وبعد أن خرجنا من الفندق اتجهنا ناحية موقف السيارات لنأخذ عربيتنا، فوجدت حارس الموقف عم حسن، ذلك العجوز الذي يغمس العيش الفينو بكوب شاي باللبن، يبتسم للمارين وينظر للنيل وهو يستمع لأغاني كوكب الشرق من راديو الجيب الصغير، فسألت صديقي: هل أعجبك طعم الكافيار الروسي والستيك الفرنسي مع النبيذ الفاخر، هل فعلاً كانت جلستنا وغداءنا أجمل من جلسة وغداء عم حسن.