يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

فراغ سياسي





نشرته بالبديل وأخبار يوم بيوم والمواطن

إن تعلمنا أن نهتم بالأحداث وأن نعيشها بوعي، سنتحرر من طغيان التاريخ ومن قواه غير المرئية، التي ليست في الحقيقة إلا قدرة الآخرين على تحديد مسار حياننا..

أصاب دول الخريف العربي الفراغ السياسي، وأصبحت مهنة الفراغ هي المهنة المتوفرة سياسياً، فهناك تعريف مختصر بكلمة واحدة للسياسة وهو "المصلحة" ولا يكتفي هؤلاء بممارسة السياسة باعتبارها فن الممكن، بل يساسو الناس أي يقودوهم، حيث أن كلمة يسوس أو ساس الناس أي قادهم، وهؤلاء مغرمون بالتعريفات الرنانة.

لسنا في وارد التحليل السياسي الآن، يكفينا مالدينا من وفرة محللين ومعلقين تكتظ بهم شاشاتنا وصحفنا ومواقعنا الالكترونية، حيث يختلط الصالح بالطالح والعارف بالجاهل، جُل ما نرمي إليه هو كيفية تحصين ذواتنا الداخلية في مواجهة ما نعيشه من قلق وما يدور حولنا، لعل بداية الحلول تكون عبر تحقيق الدولة العادلة التي تحقق المساواة والعدالة الاجتماعية بين مواطنيها كافة، ولكن كيف نواجه بشاعة القتل وسفك الدماء، طبعاً بالانحياز إلى تلك العدالة المرجوة، ولكن على المستوى الفردي الذاتي والداخلي، نحتاج إلى الكثير من الصفاء والنقاء والتصالح مع الذات وتدريبها وتمرينها على فعل الخير والحب، وليست عملية سهلة لأن النفس أمارة بالسوء.

وكل مسئول يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير فقط حين تتحدث بعيداً عن مؤسسته التي يرأسها، ففي زمن السياسة، أصبحت كتاباتنا فيه كثوب قديم ترتديه فتاة يتيمة على رصيف مهجور تشعر هي بدفئه، بينما يشعر المارة بغرابة مظهرها.

وكرسي المنصب أدق مجهر لجوهر الإنسان، لهذا فإن المناصب لا تغيرهم، إنها فقط تظهرهم بصورة أوضح، ولو أنهم يحرصون على مقاعدهم في الجنة كما يحرصون على مقاعدهم في وظائفهم، لامتلأت مقاعد المناصب بالمتقين، فمأساتنا أننا كلما جاء مسؤل جديد، انتظرنا منه أن يكون مارد المصباح السحري الذي يحقق كل أمانينا، لهذا نحبط كثيراً..

فمصر ما زالت تبحث عن تعويذة الخلاص، وأصدقاء الأمس هم أعداء اليوم، وأعداء الأمس يمكن أن يصبحوا أصدقاء اليوم، فكل شيء ممكن في السياسة، وكل أمر وارد في الثورات إلا الأمان والاستقرار ورخاء المواطن، وكل الشماعات جاهزة لتبرير الفشل، فأحياناً تكون الشماعة هي القوى الخارجية التي تُتهم بأنها السبب في الفشل بالحد من الموت العبثي والتفجيرات المدروسة بعناية، وأحياناً يكون النظام السابق هو الشماعة التي تبرر الغلاء الذي يطحن المواطن البسيط، ولا تتوقف الأعذار والتبريرات التي امتلأ الفضاء الإعلامي بها، وما أحوج البعض إلى معرفة الفرق بين الانتماء والولاء، فالانتماء يكون للدولة، أما الولاء فيكون لقيادة الدولة، وإن غياب الولاء أو وجوده في مكانة متأخرة من خارطة اهتمام الفرد، يجعله لقمة سهلة لأي طالب ولاء، وهكذا تصبح الأرض قابلة للتداول، والدولة تعادل ورقة انتساب أو عضوية.
أسامة حراكي



سُبل مناصرة المرأة





نشرته بأخبار يوم بيوم ـ المواطن
المرأة بحاجة إلى الاحتفال بيوم خاص بها، لإنعاش ذاكرة الناس بما حققته من مكاسب، فالتذكير هو فعل نفسي واجتماعي، يعيد تفعيل الحدث  الذي نريد توجيه الاهتمام به، لذلك كان أن اتفقت الأمم على التذكير بالمرأة ككيان إنساني مساوٍ للرجل في الحقوق والواجبات، والاحتفال باليوم العالمي للمراة، يجعلنا نراجع ما أنجزناه من أعمال ومشاريع تصب في مصلحة المراة حقوقياً واجتماعياً ونفسياً، كما أننا نثمن نضالات البسيطات من النساء، اللواتي قضين أعمارهن في بناء إنجازات على كل المستويات، كما يذكر الاحتفال بدور المرأة التنموي على كافة الصُعد، فهذا اليوم يجعل من ذكراه شعلة تضيء سُبل مناصرة المرأة، حيث وضح جلياً أنها لا تزال في كثير من مناطق العالم تتعرض للإجحاف بحقوقها، لذلك يعيد هذا اليوم للأذهان ما نسيناه من حقوق، هي من صميم اهتمامات الضمير الشعبي.

أثبتت المرأة على مر التاريخ الإنساني أنها نصف المجتمع، فالمرأة الأم والزوجة والابنة جنباً إلى جنب مع الرجل، يكمل كل منهما الآخر، يخدم كل منهما نفسه وأسرته ومجتمعه، فالمرأة بحاجة إلى يوم يتذكرها فيه العالم، يتذكر كفاحها ونضالها من أجل أسرة مستقرة، وأجيال تنشأ نشأة صالحة، ومجتمع راقٍ متقدم يُعلي من شأن المرأة ويعترف لها بالجميل، فكل الأديان السماوية كرمت المرأة، وكل دساتير العالم المتحضر نصت على منحها حقوقها، لذلك علينا أن نتخذ من هذه المناسبة فرصة لتقديم المزيد من الدعم لها.

فالاحتفال بيوم المرأة هو احتفال بالإنسانية جمعاء، حيث تمثل المرأة كل الأدوار والعلاقات الحيوية في الدنيا، فهي أداة التغيير الحقيقي والإيجابي في المجتمع الإنساني، فما تحقق لها من مكاسب تجعلها الأكثر حرصاً على الاحتفال بيومها العالمي، حيث باتت لديها عضوية مُعتبرة في السلطتين التشريعية والتنفيذية بوصولها إلى قبة البرلمان، وهذا إنجاز مهم يحفز قدراتها وحري بها أن تحتفل به.

الاحتفال بيوم المراة العالمي مهم، لأنه يسهم في ترسيخ قيمة الإنجازات التي قامت بها المرأة عند الأجيال الجديدة، وتثمين كفاح سنوات طويلة سابقة في سبيل الحصول على حقوقها، فما وصلت إليه من مناصب ومواقع وماحصلت عليه، ثمرة كفاح ونضال قدمت فيهما كثيراً من التضحيات، فإن النساء اللواتي لعبن دوراً في هذا الإنجاز ولا يزلن يلعبنه، في حاجة إلى يوم خاص لتنبيه المجتمع إليهن وللحذو حذوهن، وحتى لا تموت الحماسة عند النساء في المطالبة بالمزيد من حقوقهن التي لم يحصلن عليها بعد.

الزخم الإعلامي والاهتمام الذي تخظى به قضايا المرأة في يوم المرأة العالمي، يعتبر مكسباً لا يصح التفريط به، فهذا اليوم يمثل مناسبة مهمة للإحتفال بالنساء والتعرف على إنجازاتهن، وتحفيزهن ليبدعن في كل المجالات، إضافة إلى لفت النظر إلى قضاياهن الملحة، حيث أن المرأة لا تزال  تعاني التهميش في بؤر كثيرة من العالم، ومثل هذا اليوم يتيح للكثيرات الحديث عن مواضيع ومشاكل يتعرضن لها، ويمكنهن إثارتها في شتى المنابر وعلى المستويات كافة، والعمل بجهد على حلها.

هناك حاجة مستمرة لمواكبة التغيرات التشريعية والاقتصادية والمجتمعية، ورصد تداعياتها على المرأة، فهذا اليوم يعتبر بمثابة وقفة سنوية للنساء، ليتأملن أين يضعن أقدامهن، وما الذي تحقق لهن في مسيرة بحثهن عن الحقوق على المستويين المحلي والعالمي، مما يتيح للمرأة أن تكون فهماً ووعياً متكاملين بكل التشريعات الخاصة بها، فضلاً عن اكتساب المرونة الكافية لمواكبة جميع التغيرات التي تحدث في هذا الشأن.

الاحتفال بيوم المرأة العالمي رسالة دعم وتضامن مع كل امرأة حول العالم، لا تزال حقوقها مهدورة أو منتقصة أو تتعرض لأي شكل من الإساءة، برغم من أن هذه المناسبة كانت في الأساس للمطالبة بمزيد من الحقوق للمرأة، وتمكينها ومساواتها بالرجل في مختلف المجالات.


  

الصديق الافتراضي





نشرته باليوم السابع وأخبار يوم بيوم وجريدة المواطن
البعض منا جرب أن يعيش حياته خارج الأجهزة الإلكترونية، وانغمس في تفاصيل حكاياته خارج أسوار الهواتف، وكتب مشاعره بعيداً عن الجدران الثلجية للتكنولوجيا، واكتشف أن الحياة خارج الأجهزة أجمل بكثير، ولكن لم يستطع الابتعاد عنها وعاد إلى صفوف مملكة التكنولوجيا.

الصداقة الحقيقية تدوم طويلاً لأنها مبنية على عشرة يتقاصمها شخصان وتجمعهما ذكريات، سواء أكان على مقاعد الدراسة أو في العمل أو الجيرة، وتتبلور بينهما قواسم مشتركة في الميول والأفكار والاهتمامات، وهذا ما يضفي على علاقة الصداقة قيمتها الحقيقية، التي تجعل من الصعب التخلي عنها.

الصداقة كلمة تحمل الكثير من المعاني، لكنها في جوهرها علاقة إنسانية تنتج عن تفاعل روحي وتقارب عقلاني ومشاعر محبة واحترام حقيقية متبادلة.

الإنسان في كل مكان وزمان بحاجة إلى صديق بحكم طبيعته التي تجعله يأنس بصحبة الآخر، وهذا على الرغم من التحولات التي قد يطرأ على مفهوم الصداقة والصديق، فنظرية "الجماعات الأولية" في علم الاجتماع، والتي يقصد بها الأفراد الذين تربطهم علاقات القرابة والجيرة والعمل والصداقة، تفترض أن تكون العلاقة الاجتماعية بينهم متوطده وعميقة وقوية، ومن هنا فإن وجودهم مهم للغاية لحياة اجتماعية سعيدة، ولهذا يتمنى البعض لو تستمر علاقات الصداقة والصديق التقليدي، لما لها من انعكاس إيجابي على الترابط المجتمعي.

لقد أصبحنا بحكم التكنولوجبا أمام مفهوم جديد للصداقة، يختلف عن ذلك الذي ألفناه طيلة حياتنا قبل عصر الانترنت، هو مفهوم الصداقة العابرة للمحيطات والقارات، مفهوم الصديق "الالكتروني" الذي لم نراه إلا عبر صورة، قد تكون حقيقية أو مزيفة، فالانتشار السريع للإنترنت ودخوله كل مجالات الحياة، غير من أنماط العلاقات الاجتماعية بشكل عام، ومن أنماط الصداقة بشكل خاص، تحت تأثيره الذي وسع دائرة الأصدقاء، فبات لكل منا مجموعته على الفيسبوك أو تويتر أو غيرها من وسائل التواصل.

البعض يرى أن على المدى البعيد ستتفوق صداقات الإنترنت على الصداقات التقليدية، وأننا في طريقنا إلى الاستغناء عن أصدقاء من "لحم ودم" على الرغم من أهميتهم، وبرغم أنه لن يعوضنا عن غيابهم أصدقاء "الكترونيين" فأصدقاء الإنترنت لم يدخلوا بيوتنا من أبوابها ولا نوافذها، دخلوها من أجهزتنا الالكترونية، فكلما تم اختراع وسيلة تواصل اجتماعي، إزداد عدد الأصدقاء على شاشات أجهزتنا، فأصدقاء فيس بوك وتويتر والواتساب وانستغرام... أصدقاء كل هذه الاختراعات لا يمسحون دموعنا، لا يحملون لنا باقات الورد في أفراحنا، لا يُحيطون عند المرض أسرتنا، ولا نتناول أدويتنا بأيديهم....
أصدقاء النت شاركونا دهشة الاختراعات ومتابعة الثورات، ودافعوا عنا إلكترونياً، وأحبونا إلكترونياً، وناقشونا إلكترونياً، وعبروا عن مشاعرهم تجاهنا بلايكات وكومنتات وتغريدات وبرودكاست، هم قريبون منا جداً ورائعون جداً، لكنهم لم ولن يعوضونا عن أصدقاء غادروا بيوتنا من أبوابها منذ زمن، رفاق لم تغطي وجوههم الأقنعة كما غطتها غبار الزمان.

إن الفجوة الاجتماعية التي حدثت بين الناس، والتباعد الناجم عن الانشغال بأمور الحياة، جعلا كثير منهم يلجؤون إلى الصديق الالكتروني، الذي يصعب الجزم بحقيقة هويته ودوافعه، وربما يصل الحال عند البعض إلى حد التعود على هؤلاء المعارف الالكترونيين، ليعيشوا معهم في عالم غير واقعي، منفصل عن المحيط الاجتماعي والنفسي الذي يرتبطون به.


السلطة والإعلام والعودة إلى الذات






نشرته في البديل وأخبار يوم بيوم والمواطن

في منتصف العام الماضي أقام الطبيب الجراح والذي أصبح الإعلامي باسم يوسف مؤتمراً صحفياً، أعلن فيه إنهاء برنامجه الساخر الأشهر عربياً "البرنامج" وفي نهاية المؤتمر حرص باسم على أن يلتقط صورة وسط فريق العمل، وهو ممسك بلافتة كتب عليها "النهاية" ربما قصد باسم يوسف بهذا نهاية قصة برنامجه المثير للجدل، لكنها كانت نهاية ما هو أكثر من برنامج تلفزيوني، ربما نهاية حالة إعلامية قلما حظي بها شعب مصر خلال تاريخه الحديث.

فبعد خلع مرسي دخلت البلاد في دوامة عنف لأشهر طويلة، توقف حينها برنامج باسم يوسف، وحين عودته من جديد محاولاً أن ينتقد النظام الجديد، حاصر بلطجية النظام المسرح الذي يقدم عليه برنامجه أثناء تسجيل الحلقة الثانية، والتي منعت من العرض، فانتقل باسم إلى قناة جديدة، وجلس المتابعون ليتابعوا حلقته، لكنه تم التشويش على القناة بشكل كامل، بعدها قامت القناة بفسخ تعاقدها معه لتنتهي قصة البرنامج، وأسدل الستار على قصة الإعلامي الذي جسد ببرنامجه حكاية الإعلام في ثلاثة أعوام، وبدأت النهايات تكتب أيضاً في قنوات أخرى، وعلى صفحات الجرائد منع العديد من الأقلام من الكتابة، ومن على الشاشات اختفت الوجوه الثورية، بعد أن شُنت عليها حملات منظمة، فيما آثر آخرون السلامة وصمتوا من تلقاء أنفسهم.

بعدها استعدت السلطة للمواجهة الإعلامية وأعدت العدة لذلك، فاستعانت بأذرعها الإعلامية أو بمن يوصفون بـ "الأمنجية" الذين تسلقوا الثورة وتاجروا بها من منطق الانتفاع والتنفيع،
واحترفوا التحريض على المعارضين، وضرب مصداقية الأخبار الصادرة منهم، برغم أنهم يفتقرون إلى التأثير المنشود، فكشفت السلطة عن وجهها البوليسي بحجة الأمن القومي للبلاد، وسعت الى اتهام معارضيها بالعمالة، وتلبيس من يعارضها لبوس الأبالسة، وتلفيق القصص المسيئة لكرامتهم. 

بعد أربع سنوات من الثورة عاد المشهد من جديد كما كان، برامج رديئة وموجهة عزف المشاهدون عن متابعتها بعدما أكلهم الملل وحفظوا ما قيل وما سيقال، ذلك أن كثيراً من المشاريع الإعلامية بدأت إنطلاقاً من موالتها للسلطة وليس بناء على الخبرات والكفاءات، والتي وقع منها الكثير في مطب الرداءة من حيث تدري ولا تدري، وسيقع الباقي لأن العمل الذي ينطلق من دون تخطيط كافٍ، مع إغفال المهنية والاحترافية ، لن يقوى على الاستمرار في التنافس والإقناع، فالموهبة الحقيقية تكتفي بذاتها وتتكل على ذاتها، وهي وحدها ما يبقى عابراً للزمان والمكان، اما ما تبقى من زوائد ولزوم ما لا يلزم، فإلى تلاشٍ وزوال.

فالطريقة التي غضب منها الشعب قبل أربع سنوات، والخطاب الإعلامي المنحاز، عادا مؤخراً للظهور مجدداً، كما لو أن شيئاً لم يحدث، أربع سنوات من التحولات لم  تُعد إنتاج سوى الطريقة نفسها والخطاب ذاته، مع بعض التعديلات البسيطة التي فشلت وستفشل في التصالح مجدداً مع الشعب الطامح لهامش أوسع من الحريات، تغيرت الأسماء والوجوه، وسقط المئات من الشباب في الشوارع والميادين ومدرجات الكرة، ولم يغير الإعلام بوصلته، بل أصبح أكثر إصراراً على العودة إلى ما قبل 2011 وهذا الوضع قد يشعر البعض باليأس، وقد يشعر بعضاً آخر بحتمية إعادة التفكير في ميكانيزمات عقلانية لبلوغ التغيير العميق والحقيقي.

السلطة اليوم أصبحت تسيطر على الإعلام المصري، وتجبر العاملين فيه على التبعية، والأستلزام لها والالتزام بسياستها، ولابد لكل من يعمل في الإعلام من الرضوخ للسياسات الأمنية التي تفرضها السلطة، لأن وسائل الإعلام عادت كما كانت تدار بذهنية المخابرات، وفرطت بقيم المصداقية والمهنية لصالح الولاء، ولم يعد مطلوباً من الإعلامي ان يحافظ على مصداقيته، بل أصبح مطالباً بتقديم فروض الولاء والطاعة.

حتى مبارك الذي كان محل لعنة أصبح كبطل قد ظلم، والثورة التي تغنى بها الجميع أصبحت مؤامرة، لذلك تكون العودة إلى الذات لممارسة النقد بقسوة واجباً ثورياً، فنحن نعرف أننا نعيش زمناً استهلاكياً بامتياز تسود فيه القيم المادية والنفعية، وأن العولمة مثلما قدمت الكثير من الإيجابيات، فإنها في الوقت نفسه، سببت الكثير من السلبيات، وفي مقدمتها إعلان شأن الماديات على حساب أمور أخرى أكثر أهمية، فإن دور الإعلام الحقيقي هو التصدي لتلك المفاهيم المغلوطة وإعلاء شأن القيم الإنسانية النبيلة، لأنها الأبقى والأكثر نفعاً للناس ونفاذاً في الزمن.
أسامة حراكي




حان وقت الحرية




نشرته باليوم السابع وأخبار يوم بيوم وجريدة المواطن

كنت مخنوق بفكرة ابتداء الرواية، وجاء السباك وأصلح حنفية الحمام وحنفية خيالي، وبدأ الماء يجري كالحروف المتدفقة كنبع للكتابة الفوارة، كاتباً روايتي على طريقتي أقود شخصياتها حيثما أريد......

كنت أحب الكتابة بالأقلام السوداء، حيث أشعر أنني أكحل بها عيون الورق الأبيض، كأنني أجمل هذه الوجوه البيضاء كالموت، وأعيد إليها شبابها ونضارتها، بكريمات الحروف، وأمسد وأدلك مشاعرها بزيوت الكلمات، وأعطرها بحبر الكتابة اليومية.


أحب الكتابة كنهر، كنبع فوار بعيداً عن فوران الغرائز، ومنذ فترة لم أستخدم الورقة والقلم في الكتابة، فالإلكترونيات سرقت من تفاصيلنا وغيرت من عاداتنا الجميلة الكثير، وزرعت بيننا وبين الأوراق والأقلام فجوة واسعة.

فكتاباتنا البعض ينتظرها، والبعض مدقق لغوي ينتظر زلاتنا، والبعض عدو متخفي يستفزنا وينتظر ردود أفعالنا ليرمينا بخيانة الوطن والفسوق وربما الردة.

لكن حين نريد أن نكتب يتبخر الكلام وتتقلص الأفكار، وعندما نريد أن لا نكتب تمتلىء الجرار أمامنا بنفائس الأفكار والمفردات، وأحياناً نكتب عن شيء نعتقد أنه بديهي وأننا جميعاً نتشارك فيه، ثم نجد من المحترفين من يقول لنا كيف غابت عني هذه الفكرة .

أدرك جيداً أن كثيراً من الكتاب يمرون بما أمر به، ولكنهم يكابرون ولا يعترفون كما اعترف، والمتابع يستطيع أن يلمس معاناتهم من خلال كتاباتهم، فالكتابة مرآة الكاتب، ومهما حاول تلوين جُمله بشتى الألوان، لا بد أن يعلن عن نفسه في جملة من جمله، أو أن يلجأ إلى اجترار أفكاره القديمة وإعادة تقديمها بثوب أخر.

أصبحت الساحة تعج بالأقلام الشابة الجميلة المتدفقة، التي تقدم أفكاراً جديدة وأساليب كثيرة من الأسماء القديمة، وهي التي يجب أن تتصدر المشهد الكتابي، وأن تنال فرصتها في البروز، كما نلنا نحن الفرص، وهي الأولى بالرعاية والاهتمام من قبل الكتاب القدمى، ومن قبل منابر التعبير على حد سواء، نريد أن نرى جديداً باهراً لا قديماً معاداً، وأن نرى اقلاماً مبدعة تكتب للكتابة لا للمادة أو أمور أخرى.

أقفلت درج مكتبي ولكن لم يوقف ضجيج الأوراق، ولا الشخصيات الورقية التي كتبتهم، وهم يختنقون من الغبار في كهوف الأدراج ، كمخطوطات لها أشعار وقصص وحكايات حب، استلهمتها من امرأة غادرة ولم تغادرني، فرحت أفتح كل الأدراج وأحرر الأوراق والشخصيات وأقول حان وقت الحرية وغداً سيبدأ النشر.



مولاتي




نشرته بأخبار يوم بيوم وجريدة المواطن

باسم الحب أبتدي وبنور الحب أهتدي، إن كان هناك وجود للحب فباسم الحب، وإن كان الحب ينبع من القلب فباسم القلب، وبما أن في القلب روح فباسم الروح، لكن الروح بيد الله سبحانه وتعالى.. بسم الله الرحمن الرحيم

أناجيكي بقلب كسير، وهو كسير وليس بكسير، فكيف يكون كسيراً وأنتي النور الذي يشع في حناياه والأمل الذي يخفق به، وكيف لا يكون كسيراً وأنتي بعيدة عنه، فعذبي ما شئتي غير البعد عنكي، فهذا القلب بلائي به محض معزته وحاجته لكي، والتجاؤه إليكي محض رعاية وحنان منكي، فلأيهما أدين بالشكر، وعلى أيهما أبذل التحمل والصبر.

لئن نسيتيني فإن عزائي ما أنتظره من الأنس بذكراك والأمل في لقائك، ولأن أبكيتيني فإن عزائي من قل كثيراً بين يديكي، ولكن شتان بين دموع اعتصرتها الآلام بسبب متاعب الدنيا، ودموع انحدرت تبكي بسبب من وضعت الحزن في القلب.

قد يتألم القلب ولكن ما ألذ الألم الذي يذيق صاحبه طعم وحلاوة الحاجة إليكي، كم رأيت من الناس، منهم الطيب ومنهم الغير ذلك، لكن لم ولن أرى مثلك من صفاء الروح والنفس، يا من خلقك الله وأسكن فيكي البراءة والإخلاص والحنان، يا من جعلك في الرقة أبدع وفي الجمال أروع ما يكون، كم أرى حولك اناس بعيدين عنكي ولا يعبأون بكي وتشملينهم جميعاً بالمودة والعطاء، تلك هي مودتك بمن ينساكي ويتوه عنكي، فكم هو عطائك بمن يرقب فضلك ويستجدي قربك.

بالأمس رأيتك وصافحتيني وحادثتيني، ولكنك لست أنتي التي أعرفها، أين الطائر الغريد يغني منتشياً من صوتك، أين النسيم العذب يتخاطر من حولك وينشر في الافاق جميل عبقك وحلاوة روحك وخفت دمك، أين الأغصان السكرى المترنحة من خصلات شعرك ترقص مزهوة بجمالك، أين الندى المتساقط من إطلالة وجهك مع كل فجر، أين النور الساطع من عينيكي مع سطوع الشمس، أين ابتسامتك الفاتنة التي تنبعث من ثغرك الأخاذ، وبعد أن صافحتيني انسحبتي مسرعة هاربة من أمامي.  

عيناك لم تعد العينان التي كنت أشكو لهما عن أحزاني، عيناك التي تتجمع فيهما كل الصفات، إن قلت الغدر فعيونك عيون الثعلب والأوس والأطلس تشع مكراً وغدراً، وإن قلت القوة: فيونك عيون الصقر والنسر في بعد النظر، وإن قلت البراءة والحنان وخشية الله: فعيونك عيون زاهد إلا من حب الله، وأن قلت الجمال: فعيونك عيون الغزلان وصغارها من المها والريم والرشا.

بعد أن تركتك نظرت إلى السماء أتأملها وكانت صفحتها في الليل مليئة بكواكبها المنثورة التي لا تحصى، يخفق بياضها في سواد الليل الحالك كحبات الماس التي كانت تخفق فوق فستانك الجميل.

أيتها الوردة الناعمة، أيتها الرائحة العبقة، أيتها الروضة النضرة، أسئلك أن تجيبيني، إنني أكتب سطوري بعيون مشاعري وإحساسي، فأبصر فيما بينها أنفاسك الوادعة الرقيقة تجذبني عن نار الآمي لتضمني إلى جنة فؤادك، ولا أعلم إلى متى سيطول حالي.


سراب طريق





نشرته باليوم السابع وأخبار يوم بيوم وجريدة المواطن
عمر الدنيا أطول من عمر حكاياتنا، لهذا تموت حكاياتنا والحياة مستمرة..
كان يحبها بجنون وفرقهما النصيب، ومع هذا حضر زفافها على غيره، فسأله صديقه كيف؟
فقال: لأن إيماني بالقضاء والقدر أكبر من حبي لها.

بعد الفراق تزوجت هي وأنجبت ومازال هو يعيش على حبها، فالزمن الذي توقف عنده لم يتوقف عندها، فهي كانت أكثر منه واقعية، وهو كان أكثر منها حباً، لهذا عاشت هي وضاع هو، فربما كان عمر الحب في قلوب الذين انتهت حكاياتهم بالفشل، أطول من عمره في قلوب الذين انتهت حكاياتهم بالنجاح، فحرماننا من شيء ما يطيل فترته فينا.

كان يبحث عن مجدافين يأخذانه إلى ضفة الحلم، ويوجه صدر القارب نحو الشمس، ويحرث بالمجدافين بحر الحياة ليصل لقارتها، كان يبحث عن قشة في عاصفة وكانت هي عاصفة الحب، عن قطره في محيط وكانت هي محيط القلب، عن نجمة في الكون وكانت هي كل الكون...

كان يستوحي أشعاره منها، من ضحكاتها تمطر عليه أمطاراً من الصور الشعرية، ومن حديثها تجرفه سيول البلاغة، ومن حبها تكتمل معه الحالة الشعرية، والحب أعظم ألوان الشعر...

لكن إيمانه بالحب ذاته كان عظيماً، لهذا آمن كثيراً بنبض الحب في القلوب والدعاء بالأمنيات تحت المطر، وطلبها من الله تحت المطر بإلحاح، وتركها كالحاجة أمام باب الله وتمتم باسمها في دعاء عاجل أمام البحر في ليلة شتائية شديدة الريح والمطر، وحين فشل كان على يقين بأن الخير الذي اختارته له رحمة الله في الفشل معها أعظم كثيراُ من الخير الذي كان سيتقاسمه معها في حال النجاح.

قالبعض منا آمن بالحب كمنام يسافر به عبر قطار الزمن، ثم استيقظ على كابوس بعد فوات الأوان، ولم يسمع محطات نادته ولبى نداءتها، فاكتشف متأخراً أنه كان سكة حديد ليعبر عليه وبه الآخرين، لعربات محملة بأقارب يسترضهم، وأصدقاء يستأخهم، ولم يكن يوماً قطاراً أو ساكناً في إحدى مقصوراته، وكان كله لأجل الآخرين سكة يسافر ويودع ويلتقي به وعليه الآخرون بالآخرين، فأحياناً قلوبنا لا تستوعب أن الذين اتبعناهم على طريق العمر بعطش، كانوا مجرد سراب طريق لا أكثر، ففي رحلة الجري خلف أشياء لا تستحق، نحن في الغالب نخسر أشياء كثيرة تستحق، حقيقة تؤلمنا كثيراً حين نكتشفها بعد مواسم الحصاد.

الحب أقوى من السحر، لهذا يبطل السحر ولا يبطل الحب، فحين نلتقي بحكاية حقيقية، نندم كثيراً على ما أسلفنا من حكايات وهمية، سفكنا فيها من الصحة النفسية والعمر الكثير، لكن تاريخ الميلاد وغزو الشعر الأبيض من أشد أعداء حكايات الحب التي قد تطرق أبواب قلوبنا في وقت متأخر من العمر، فالأحلام التي تصل بعد انطفاء مصابيح العمر تعيش في الظلام وترهقنا محاولات سترها كثيراً، فالحب في آخر العمر أغلى من الحب في أوله، ربما لأن الفرصة الأخيرة دائماً أغلى من الفرصة الأولى، فأرهقت أعمارنا حكايات حب خذلتنا في منتصف الحلم والطريق، وأصبحنا نمارس الحزن حتى أصبح عادة يصعب التخلص منها، وحكايات الحب التي لا تهدف إلى الزواج هي كفتاة عابرة، تستحم وتتزين كل يوم، ومع هذا تبقى غير نظيفة، فلا تجعلوا قلوبكم سبيلاً يرتوي منه من يحب، اجعلوه مملكه يملكه فقط من تحبوا.