يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

حديث طائرة





نشرته بالبديل وأخبار يوم بيوم والمواطن

في الطائرات والسفر الطويل هناك دائماً عبرة، يجلس اثنان متجاوران يلقي أحدهما التحية، فيرد عليها الآخر بأبرد منها، يمضي الأول الساعات الاولى مثلاً في التحديق عبر النافذة ناسياً أن الحياة بجواره..  إن ما يحتاج إليه الناس هو فرصة جيدة للقاء جيد، وعدم وجود هذه الفرصة هو وحده الذي يحول بينهم وبين أن يكونوا أصدقاء فعلاً، أو عابرين.
على مقعد ملاصق لمقعدي، في الطائرة التي ستحملنا من دبي إلى القاهرة، جلست بجواري شابة أخذت تحدق بي!
هل أنت الأستاذ أسامة...
ابتسمت وهززت رأسي بالإيجاب
عرفتك من الصورة التي ترافق مقالاتك "اترددت أسألك بس كنت متأكده من أنك انت"
وطوال الساعات الثلاث التي تلت السؤال دار بيننا حوار من أمتع ما عشته في حياتي، لم أضق ذرعاً من أسئلتها، بل أسعدني أن ألتقي أحداً يكاد يحفظ معظم تفاصيل كتاباتي، ومتابع لمقالاتي.. تحدثنا عن الكتابة وهموم عالمنا العربي، وخطورة تراجع اللغة العربية وانحسار أعداد القراء، حتى وصلنا بحديثنا إلى موضوع تتفرغ منه كل الموضوعات، وتستظل بفيئه كل الآراء "المرأة"
وكانت جارتي متحمسة لما يكتبه الأدباء العرب في وقتنا الراهن، فقلت لها: أدباء هذا الوقت كتاباتهم ممتلئة ومنفوخة بهواجسهم، بعكس ما تكتبه الأديبات، فهن يسجلن ذاكرة مجتمعهن ويدون التاريخ من داخل بيوتهن وأسرهن، وهذا هو التاريخ غير الرسمي، التاريخ الحقيقي والحميم الذي يشكل مرآة شعبها، وعلى رأس تلك الأديبات الرائعة أحلام مستغانمي، المرأة التي قد لا يجد الكاتب الرجل في نفسه الجرأة على النظر في صفحتها.
أثارها رأيي، فقالت: لقد كنا نصف الكاتبات بأنهن مشغولات بذواتهن، وبأن الرجل هو من يكتب الحياة الحقة وتفاصيلها.
أجبتها: ليست هناك قضية أكبر ولا أخطر ولا أهم في حياتنا العربية، من إشكال العلاقة بين الجنسين، فأنا مؤمن بأن حل هذا الإشكال هو الطريق لحل مشكلات الهوية والعروبة، والدين واللغة والتراجع الحضاري، وأول الطريق لتلافي خسائرنا السياسية.
عند هذه النقطة من الحديث ارتسمت على وجهها ابتسامة، فقد كانت آرائي ثورية بالنسبة لها، وأنا أعتبر نفسي ثورياً وتقدمياً،
وقبل أن ننزل من الطائرة سألتني: هل أنت متزوج؟
قلت لها: لا
ابتسمت وهي تقول: ألم تعثر المرأة المناسبة
أجبتها: عثرت عليها وأحببتها
فسألت: ومتى ستتزوجون؟
فرددت عليها: "إنها متزوجة".