يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

فرد بصيغة الجمع






نشرته بجريدة الأهالي وأخبار يوم بيوم


فقد يتبعه فقد وفراق يتبعه فراق، وحزن يتبعه حزن، لا نكاد نفيق حتى نغيب، ولا نقف حتى نسقط، ومع تكرار الفقد أصبحنا نستقبل أنباء الموت بصمت وفي داخلنا ثرثرة أحزان كثيرة، فالفقد المفاجىء أصبح سمة زمن مرعب نحياه، فنكتشف عند وداع أصدقائنا أن فكرة فراقهم ترعب أكثر من الفراق نفسه، ربما لأن وقوع البلاء خير من انتظاره، لكن يبقى أصعب أنواع الفراق فراق الموت، وأصعب أنواع البكاء بكاء الموت، وأصعب أنواع الحنين حنين الموت.. إنه الحق الذي لا نملك أمامه سوى الإيمان به، فالموت من أقوى وأصعب الأقدار، وإيماننا به لا يجنبنا الحزن عند فقدان أحبائنا، لكن هذا الإيمان يبقى كالضوء في أرواحنا، ينتشلنا مع الوقت من ظلمات الحزن ويحرص على تذكيرنا بأن هناك خلف الموت حياة أخرى قد نلتقيهم فيها يوماً، وما أكثر الأحياء الذين واصلوا الحياة بعد فقدان أعزائهم على أمل اللقاء في تلك الحياة، وكثيراً ما يتسائلون عند كل حالة موت يقومون بالكتابة عنها قريبة أم بعيدة، عندما يلفظون آخر أنفاسهم ويكونون هم انتقاء واختيار الموت، من سيكتب عنهم؟
معظم الذين أحببناهم من أصحاب الأقلام رحلوا قبلنا وكتبنا عنهم، فهل سيكتب عنا أشخاص ماعرفوا عنا سوى أقلامنا؟ فهناك أشخاص يشعرنا رحيلهم بأن صفحة من زمن جميل قد انطوت، وسقطت من شجرة الأيام ورقة، ومنهم حسين أشرف الذي بين القاهرة ولندن توفي،مدينتان اشتبكتا في رأسه، حلمان انفلتا من أمسه.. لم يكن رجلاً عادي، وقف مع الجميع وشهد تغيرات  أنصاف الرجال الخائنين، ورحيل الأصدقاء الطيبين.. لم يكن يملي على أحد رأيه، وكان يعتبر الصمت رأي الخائفين، مات في صمت وعاش في صمت، من دون أن يلمحه الطبيب ليدون له مخالفة لعدم تقيده بقراره بمنعه عن التدخين.. كان عادياً إلى ابعد حد وشيوعياً إلى أبعد حد، ويسارياً إلى أبعد الحدود.. رحل ونبأ رحيله صعق الأصدقاء، أصيب بتليف الرئة بعد أن أخطأته مئات الرصاصات.. كان مرتاحاً لما لم يتحقق وما تحقق، فهو رجل حقق بالواقع مالم يحققه غيره بالأحلام، فقد كان فرداً بصيغت الجمع.  
برحيله نضيف حزناً وجرحاً إلى قائمة جروحنا التي تفوح منها رائحة أحبتنا كحديقة مزروعة بنباتات من ذكريات، والتي كلما تفقدناها وجدناها رطبة نازفة وفيها من ملامحهم الكثير، مرعبة فكرة غياب أحبابنا عنا، حيث لا عناوين ولا رسائل ولا هواتف، فأخبارهم تنقطع عنا بمجرد أن نسلمهم للتراب ونمضي.. وداعأ.. وداعاً.. وداعاً، الأستاذ.. الصديق.. الجار.. حسين أشرف.. وداعاً.

الأسطورة






نشرته بأخبار يوم بيوم 
حين كان شاباً كان يتجول مع صديق له بالعاصمة البريطانية لندن أمام مبنى البرلمان، فقال له بشكل عابر: سيقام لي تمثال هنا يوماً ما، وتقبل الصديق هذه الأمنية على أنها مزحة غير قابلة للتحقيق، وبعد أربعين عاماً وضع تمثال له إلى جانب تماثيل شخصيات لعبت دوراً في تاريخ الأمم.

عندما يكون المرء في السجن يقابل الزمن وجهاً لوجه، ولا يوجد شيء يثير الفزع أكثر من ذلك""
هذا ما كتبه نيلسون ما نديلا على جدار زنزانته التي عاد إليها زائراً بصحبة كبار الزوار، الذين أرادوا رؤية المكان الذي قضى فيه أيام طويلة من عمرة "سجن روبن آيلاند"

" إن حياة المعتقل روتينية، تتماثل فيها الأيام حتى تختلط الأشهر بالسنوات، أي شيء يخرج عن القالب يقلق السلطات، لأن الروتين علامة من علامات حسن الإدارة في السجن، وقد كانت الساعات ممنوعة من أي نوع وكنا نعتمد على الأجراس وصفارات الحراس لمعرفة الوقت، وكان أول ما فعلته بعد اعتقالي هو كتابة تقويم على الحائط، فالإنسان إذا فقد قبضته على الوقت فقد قبضته على سلامه، إن المعتقل لا يأخذ من الإنسان حريته فقط، ولكن يحاول أيضاً أن يحرمه من هويته، فالجميع يرتدون الملابس نفسها، ويأكلون الطعام نفسه ويتبعون البرنامج اليومي نفسه، وإن الدولة المتسلطة فقط هي التي لا تسمح باستقلال المرء وتفرده"

بدأ في معارضته السياسية لنظام حكم الأقلية البيضاء فى جنوب أفريقيا عام 1942 واعتقل فى فبراير 1962 وسجن فى جزيرة روبن، وفى عام 1985 عرض عليه اطلاق سراحه مقابل إعلانه وقف المقاومة المسلحه إلا أنه رفض العرض فأصبح رمزا للحرية فى القارة السمراء، وفى فبراير عام 1990 أطلق سراحه ونال حريته بعد 28 عاما من السجن وأصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا عام 1994 ونال جائزة نوبل للسلام فى نفس العام.

مانديلا لم يكن رجلاً يقول ولا يفعل، يصرح ويتراجع، يعد ولا ينفذ.. حاول أن يثني بوش الابن عن ضرب العراق لكن الأخير رفض الاستماع، فصرح مانديلا: "لن أقابله إذا جاء جنوب افريقيا، لأنه رجل مارق يرأس نظاماً مارقاً، يختلق الأكاذيب، كذب على العالم واحتل العراق.. ووفى مانديلا بوعده، فحين زار بوش جنوب افريقيا، رفض أن يقابله.. ووعد شعبه بأن جنوب افريقيا ستكون اول دولة افريقية تحصل على شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم، ووفى بوعده، وحين انتهت فترة رئاسته رفض الترشح لفترة أخرى ولو فعل لفاز باكتساح، لكنه لم يستسلم لإغراء السلطة والمنصب وزهد فيهم.

ولد نيلسون مانديلا في 18 تموز 1918 في ترانسكي بجنوب أفريقيا، وهو أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، وحاز على جائزة نوبل للسلام، اعتقل لـ27 عاما بسبب نضاله ومقاومته لسياسة التمييز العنصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتخرج  من جامعة جنوب أفريقيا بدرجة البكاليوريوس في الحقوق عام 1942 وانضم إلى المجلس الأفريقي القومي، الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب السنغال عام 1944 وأصبح رئيسا له عام 1951 وفي عام 1961 بدأ مانديلا بتنظيم الكفاح المسلح ضد سياسات التمييز العنصرية، وفي العام التالي ألقي القبض عليه وحكم بالسجن لمدة خمس سنوات. وفي عام 1964، حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التخريب.
بعد 27 عاما من السجن، أفرج عنه في 20 فبراير 1990 وفي عام 1993  حاز مانديلا على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع فريدريك دكلارك، وفي 29 أبريل 1994، انتخب مانديلا رئيسا لجنوب أفريقيا، وفي 1999 أعلن تقاعده بعد فترة رئاسية واحدة، وفي نفس العام أسس مؤسسة نيلسون مانديلا الخيرية.
تزوج مانديلا ثلاث مرات، كانت الأولى من ايفلين نتوكو التي طلقها عام 1958 وأنجب منها 4 أبناء، والثانية  ويني ماديكيزيلا، وطلقها عام 1996 والثالثة غراكا مانديلا، التي بقيت معه لأخر يوم من حياته.
وأشار مانديلا إلى أهمية العلاقة التى تربطه بسجانه السابق حيث قال أن الصداقة عززت مفاهيمى للإنسانية حتى مع الذين سجنوني.

يقول مانديلا أنه تعلم التواضع من حمار، فحين كان طفلاً يرعى الأغنام، جمح به الحمار وألقاه أرضاً، مماسبب له الألم والارتباك أمام أقرانه من الأطفال، وطبع ذلك في ذاكرته قسوة إهانة الغير والتعالي عليهم، فأمن بأن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها، وأن طريق الحرية طويل ويحتاج إلى الصبر والجلد.