يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

في ذكرى ميلاد من كانت محبوبتي


أوؤمن تماماً بأن الحب ليس معجزة ولا هو صانع المعجزات، فهو يتكرر آلاف المرات، فالحب أوهن من الدفاع عن حق قلوب في البقاء، أضعف من توفير وساده لعاشقين يحترقان شوقاً، فالو كان الحب صانع المعجزات لما أطلقت حكايات الحب سراح أبطالها بعد أن انغمسوا في تفاصيلها، وما فصلت التصاقهم بعد أن التحموا حباً كالجسد الواحد.

اليوم هو عيد مولد من احببت، الحب الذي كان بالنسبة لي حلم، حلم ذاب كقطع السكر في كأس الحياة، فعالم الأحلام نحن من نصنعه ونضع أساساته ونشيد بنيانه ونخطط طرقاته، ونحن من نرسم أشجاره وجباله وبحاره، حتى سكانه نحن من نختارهم، فلم افقد إيماني بالحلم الجميل، لكني فقدت إيماني بوجود امرأة تستحق أن تنحني لها قامة رجل شامخ ليمنح جسدها الدفء والاهتمام، حيث كانت هناك أمور تراها هي تافهة وتمر عليها مرور الكرام، لكنها تعني الكثير، الكثير الذي لا يقاس بمقدار ولا بكمية العصير المتبقي في قاع كأسها، ورسوماتها المرسومة على لوحاتها، وعطرها المتبقي في الطرقات، وهمسات صوتها وضحكاتها.

فقد كانت حكاية حبي معها كزوجة أب تمارس عليَ من العذاب والهوان ما لا طاقة لي به، لهذا أحاول أن ينحصر خيالي بها في دائرة حضورها أمامي، وألا يتجاوز إلى ما بعد رحيلها، فلا شأن لي بعالمها الخاص، فبعد إسدال الستار الأخير على الحكايات لا يتبقى هناك ما يقال، فحوارات ما بعد الفراق أشبه ما تكون بالعبث بجثة عزيز، أو أشبه بلعبة كرة القدم يتنافس أطرافها في رمي الكرة بعيداً عن مرماهم، فالكل يحرص بعد الفراق على أن يمضي متقناً دور المظلوم والمجني عليه، لربما هذا الشعور يساعد على البدء في بداية جديدة بشكل أسرع.

لكني لازلت أذكر لحظة فرقنا حين غادرتها وأنا أضع يميني على قلبي ويسراي تحاول التحكم بمقود السيارة، ودموع عيني تحجب عني الرؤية، ليست المرة الأولى التي أتجول فيها في طرقات المدينة وغزير الدموع يحجب الرؤية عني، وليست المرة الأولى التي أقف فيها على النيل وفي قلبي صرخة حزن لايسمعها سواي، ليست المرة الأولى التي يحترق فيها قلبي، وليست المرة الأولى التي تلوح بها يميني على محطات الوداع مودعة قطعة من الروح، وليست المرة الأولى التي أحاول أن أرفرف بها عالياً في اتجاه قامة أحلامي ويخذلني وهَنُ أجنحتي، وليست المرة الأولى التي أعود فيها للبيت مكتوف اليدين لكي لا يلمح أحد حجم الكسر في جناحي، ليست المرة الأولى التي أتسلل فيها لشقتي وأغلق الباب بالقفل مرتين متتاليتين وكأن مرة واحدة لاتشعرني بالأمان لكي أمارس حزناً وبكاءً في السر.

والآن اطالع كل يوم صورك، واستمع للأغاني التي كنتِ تسمعينها وأكثرها للسيدة فيروز، فحين أسمع "كيفك انت" تبعثرني وأتحسس وجه الحنين إليكِ، وأمسح دموع وتحشرج السؤال الحاد في فمي حتى أغص به، كيفك أنت؟ آه ياأنت، وحين أسمع "أنا وشادي" أرتعب، فأنتِ كنتِ لي كل أصدقائي ورفاقي، وحين انفرطتِ من عقد أحلامي، انفرطت بعدك كل الأحلام، وتناثرت بعدك تفاصيل القصص كحبات العقد أمامي، وحين أسمع "بكتب اسمك ياحبيبي ع الحور العتيق ...وهديتني وردة فرجيتا لصحابي" أتذكر الفراق وكيف أصبحت الوردة صديقة لصيقة عند الحنين، فليس كل الهدايا بعد انتهاء القصص تنتقل إلى مرحلة الأطلال، فبعض الهدايا نتحول نحن أمامها إلى أطلال، وأتابع "بحكي عنك ياحبيبي لأهالي الحي بتحكي عني ..لنبعة المي" فأجد أن أهالي الحي رحلوا من زمن، ومنابع المي جفت من زمن، فلمن سأحكي عن قصتنا، ومن سيقول لي أن هذا نصيب، وحين أسمع "يا مرسال المراسيل" أجد حولي قيود وعراقيل كثيرة، فلا مرسال بيني وبينك يحفظ السر والأمانة، وكأن هذا العالم ما اخترع يوماً صناديق الرسائل ولا طوابع البريد، وأسمع "ونطرتك ع بابي بليلة العيد" وأنا نطرتك ع بابي بكل الليالي لا أنتِ مررتِ بي ولا حتى العيد، وأحببتك في أول الشباب ومنحتك منه أخضره وأنضره، وغبتِ عني في أخره ومنحتيني منه أصفره وأوهنه، وأسمع "شو بيبقى من الرواية، شو بيبقى من الشجر" فتكسرني فلا شيء يبقى، فالروايات حين تكبر تشيخ وتشيب كالإنسان، وأسمع في الشتاء "رجعت الشتوية" فأتألم فالشتاء عاد بكل طقوسه ولم تعودي أنتِ، وحين اسمع "بعدك على بالي" أرتبك، فهذه الأغنية تضيء خلوتي في ركن النسيان، فأتلفت حولي أواري عمن حولي عورة قلبي، فكم طرت بأجنحة النسيان في فضاء التبلد بعدكِ، وكم غبت في أكاذيب النسيان أمامهم وكنتِ أنتِ أول من صدق أكذوبتي وغيبوبتي، فللنسيان غيبوبة ضبابية، وإغماءة لا نفيق منها إلا بهزة قوية، كهزة صوت فيروز الأتية بالحنين من زمن التفاصيل التي تغفو بنا مرهقة من شدة التكرار ولا تموت، فحين نكثر الحديث عن النسيان نكون نحاول أن نحكي حكاية انتصارنا على انكسارنا، فالذي ينسى لا يهتم بإعلان النسيان كثيراً، والذي ينسى لا يكثر من سباب الأمس ولا يقذف التفاصيل باللعنة ولا يغتاب الذكرى الجميلة، ومادمنا نهتم ونلعن ونغضب فنحن مازلنا نتذكر ومازلنا نتألم ومازلنا قيد حنين.

كنتِ تقولين لي أنت في قلبي، وكنت أعلم أنك تحمليني في جيب قلبك المثقوب، والجيوب المثقوبة لا تحتفظ بما فيها طويلاً، لذلك كنت أعلم أني سأسقط من جيبك سهواً ويوماً ما ستطلق قصتنا سراحي، بعد أن تهديني طرقاً مختلفة ليمضي كلاً منا في طريق معاكس، فأحدنا سيعطي ظهره للآخر باختياره دون أن يكثر التفكير في ما بقي خلف ظهره من ركام إنسان، لذلك كنت ألهث كل ثانية معكِ، أحاول أن أنتهز كل فرصة تمنحها الظروف لي كي أكون بجانبك، وكان لدي رغبة بتعطيل كل منبهات العالم كي أقضي عل كل رنين قد يوقظني منكِ، والتخلص من كل ضجيج يحرمني منكِ برغم يقيني أن كل منبهات الحب تدق بلا توقيت، ولكن لكل شيء نهاية والموت النهاية العظمى لكل الأشياء، وفي الحب الموت هو النهاية الأرقى برغم قسوتها، والموت نهاية لا أريدها ختام حكايتي معك، أو على الأقل ليس الآن لأكتفي منكِ ولو خيالاً، فمازال لكي في جعبتي من الحب الكثير وأجهل أي قدر مبصر يأخذني إلى طريقك، يقودني كالأعمى إليكِ، يخلع عني حذائي ويجعلني أسير على طريقك الزجاجي المتكسر حافي القدمين، ولا أعرف أن أعود لأني أضعت منذ أن رأيتك خارطة طريقي، أصبحت كالممسوس بكِ، أقرأ آيات الله على قلبي كي أحرقكِ بي، فلا داخلي ولا خارجي يتسع لكِ، وأخلف حولي وخلفي الكثير وأتجه نحوكِ، متجاهلاً كل الأصوات فلا طاقة لي بصوت يوقظني منكِ، أخبرتك سابقاً أن عمر الذاكرة أطول من عمر الأحلام وسينتهي الحلم يوماً وستبقى الذاكرة، فاختبئي في أقصى مكان في ذاكرتي وتعمقي بي، فبعض الوجوه نحبها كثيراً، نفتقدها ونحن إليها كثيراً، لكننا لا نملك حيالها سوى النسيان حين تكون الذكرى حجر عثر في طريق العمر.

أصبحت في حالة هذيان بكِ تعريني أمام الأصدقاء، الذين أدين لهم بكل سعادة مررت بها من بعدك، فقد كانوا صبورين عليَ لأقصى حد وطيبين جداً، إذا كان ثمة من أنقدني من انهياري وأخرجني من وحدتي فقد كان هم، فمعهم اقتربت أخيراً من باب الخروج من كهف حكايتك، فبعض النور بدأ يتسلل إليَ وأظنني على بعد خطوات قليلة منه، وكأني أستيقظ الآن من حلم ليلة طويلة، فأحلامنا هي التي تمتد بنا وليس الليالي، فبعض الأحلام ليلة وبعض الليالي حلم، أفتح عيني الآن بلا ضجيج وبلا رنين، فلم يعبث أحد بمنبه أمني فأنا استيقظت بلا رنين، لأكتشف خديعة الشتاء ووهم البرد والمطر، فالسماء لم تكن تمطر والشتاء لم يكن قارساً سوى في حكايتك، ففي الحلم عشت معك حكاية شتائية الطقوس، فقد كان المطر في الحلم يبللني فكنت ألجأ إلى الاختباء تحت معطفك وأنا أغني "قديش كان في ناس عالمفرق تنطر ناس، وتشتي الدني.."

بدأت أسمع دقات قلبي وبدأ التعب يتسلل إليَ أكثر مما أتخيل، وبدأ حزني يزداد لأنكِ أصبحتِ مجرد فكرة لمقال، عفواً أنا لا أقلل من حجمك فيَ، أنا فقط أعيد ترميم شروخ جدران قلبي، فكلنا لجأ لعالمه المفضل له، أنتِ لجأتِ للنسيان وكأن شيئاً لم يكن، وأنا لجأت للكتابة، كان النسيان عالمك الذي عشتيني فيه، وكانت الكتابة عالمي الذي عشتك فيه، وقد تتحول هذه المشاعر يوماً إلى رواية، وقد تقع الرواية بين يديكِ يوماً فتقرئيها من دون أن تدركِ أن بطلتها كانت، أنتِ.

الربيع وألوانه


نشرته في موقع اتحاد الشباب

ليس هناك ما هو أجمل من الزهور للتزين بها والاستلهام من ألوانها وأشكالها، فالزهور بأشكالها وألوانها كافة هي مصدر وحي لا ينضب لاسيما عندما يأتي الربيع، فبألوانها وأشكالها تغنى الشعراء، وعزف لها الموسيقيون أروع الألحان، وتزينت بها النساء على مر العصور، ولاتزال جمالياتها تسحرنا وتجذبنا، لتجعلنا نردد دائماً عبارة سبحان الخالق.

الطبيعة بزهورها وألوانها تملأ حياتنا، ففي الربيع نرى الملابس الزاهية بألوانها، مثل البرتقالي والأصفر والأزرق، فالبرتقالي يعبر عن حب الحياة والروح المتفائلة، فهو إلى جانب حيويته وإشراقته، يمنح دفئاً حميماً يضفي على من تغلف به جسدها سحراً جذاباً لا يقاوم، فهو من أكثر الألوان زهواً وحباً للفت الانتباه، فالمرأة التي ترتدي هذا اللون تترك بصمة متوهجة يصعب نسيانها.

أما الأصفر الذي يبرُز من بين كل الألوان بوصفه لوناً نقياً مفعماً بالحيوية، قد تبدو الإطلالة الصفراء بالكامل صارخة وصادمة، لكنها تبقى في جميع الأحوال متألقة ولافته تستحق التجربة، فجريئة من تختار الأصفر ليعانق جسدها، ومبدعة من تدرك سر مزجه وتنسيقه مع ألوان أخرى، فالمرأة الجامحة تجمع بين الأصفر والأزرق و"الفوشيا"، أما المرأة الهادئه فإنها تتألق بالأصفر المطعم بالبني، أما الشقية والمشاغبة المرحة ترتدي الأصفر مع البنفسجي، أما الأزرق فهو اللون الملكي الذي يضفي هالة من الأناقة والاشراقة الهادئة على من تختاره ليكسي جسدها، فهو قادر بتدرجات لونه من الأزرق السماوي إلى الليلكي، على أن يمنح صاحبته سلطة جمالية وقوة جاذبية لا يمكن الإفلات منهما، والمعروف عن اللون الأزرق احتواءه على ذبذبات كهربائية قوية تشكل حصناً منيعاً أمام العين الحاسدة، وما الخرزة الزرقاء سوى دليل على ذلك.

والكل يضع روائح استقت من البراعم والزهور الربيعية، ونكاد نستنشق عبقها ورائحتها فيها، زهور بتلاتها وسيقانها ودرناتها وزيوتها تعد علاجاً رائعاً للعديد من الاضطرابات التي تصيب الإنسان وبشرته، مثل الورد الذي يحارب التجاعيد ويكسب البشرة نعومة الحرير، والفل والياسمين الذي يمكن غليهم مع الشاي، حيث يساعدان على الاسترخاء، والنرجس الذي يستخدم في الكريمات حيث يقاوم الجفاف، والإيكيناسيا التي تقضي على حب الشباب، والأقحوان التي تحد من احمرار البشرة، والكورن فلاور أو القنطريون العنبري الذي يزيل انتفاخ العين، وزهرة الربيع المسائية التي تمحو الأكزيما والصدفية، والسحلبية أو الأوركيد كما يسميها الغرب، فالأوركيد أجمل وأقدم زهور العالم، عرفها الصينيون قبل الميلاد بسبعمائة عام، وأطلق عليها فيلسوفهم الشهير"كونفو شيوس" لقب زهرة عطر الملوك، ثم عرفها البريطانيون باسم زهرة شراب الحب، وهي اليوم لا تكتفي بحضورها القوي في العطور، وشكلها الظاهر حيث تتسم بجمالها الراقي وألوانها الآسرة، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو ما لمستخلصها من مفعول مذهل في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، عن طريق حفز جينات البشرة المسؤولة عن إطالة العمر، ومقاومة تأثيرات جهاز المناعة لدى البشرة، وتعزيز تجديد خلاياها، حيث ادخلت في مستحضرات العناية بالبشرة والشعر ومستحضرات التجميل، بعدما أكدت الأبحاث أن خلاصتها تقاوم ظهور التجاعيد وتحارب الشوارد الحرة وترطب الأنسجة الجافة وتعزز مناعة البشرة وتجدد خلاياها.

الربيع يزهر من حولنا ويغلف عالمنا بأحلى الأشكال والألوان، ففي الربيع الجميع يمني النفس بقضاء أسعد الأوقات ويخرج للتنزه، ومنها الرحلات البحرية أو النيلية التي أجدها أفضل وأجمل نزهة في عيد الربيع، حيث يكون طوال الرحلة الأزرق والأخضر لونان يتجاوران فيها، الأول يتجلى في انعكاس زرقة السماء على الماء، والثاني تمثل في اخضرار ألوان الأشجار الراسمة مع زرقة السماء لوحة رائعة، احتضنت بدورها شبان ورجال ونساء وأطفال ارتدوا أحلى ثياب بأجمل الألوان وأكثرها حياة، للقاء الأحباب من الأهل والأصدقاء، حيث اعتقد المصريون القدماء أن نسمات فصل الربيع تختلف عن غيرها من نسمات السنة كلها فأطلقوا عليه "شم النسيم" الذي أخذ مظاهر متعددة، ومن مظاهره تناول أنواع معينة من الأسماك تحضر قبل حلول شم النسيم بفترة طويلة وهي "الفسيخ" وترجع هذه التسمية إلى الكلمة العربية القديمة "التفسيخ" أي ترحيل الأنسجة بفعل تعرضها للتمليح، وهو ما كان يقوم به المصريون القدماء، وهي عادة غذائية مازالت موجودة بهذه التسمية وهذه المواصفات حتى اليوم، ويؤكل إلى جانب الفسيخ الخس والخيار والترمس، ويعتقد البعض أنها من باب العادات والتقاليد، ولكن لها أصل علمي لجأ إليه قدماءنا المصريون، وهو أن الأنزيمات والألياف الموجودة في تلك الخضروات وعند تناولها مع الفسيخ، تبطل إلى حد كبير امتصاص الجسم نسبة الملح الهائلة التي يحتوي عليها الفسيخ، وبالتالي تجنب الإنسان العديد من الأمراض الناجمة عن تناول الأملاح، مثل ارتفاع ضغط الدم واحتباس الماء في الجسم.

أيضاً البيض الملون من مظاهر عيد شم النسيم، ويمكن تلوينه بطرق متعددة تستخدم فيها مواد طبيعية كبديل الألوان الصناعية، حيث يمكن سلق البيض في ماء مع ورق البصل الأحمر، فنحصل على بيض أصفر باهت جميل، أو نسلقه مع البنجر"الشمندر السكري" للحصول على بيض أحمر، ويمكن تثبيت أوراق البقدونس أو الكزبرة الخضراء على قشر البيض، وتغليف البيض بورق الألمنيوم ثم سلقه، فنحصل على بيض مرسوم عليه ظلال تلك الأوراق.

وكل ربيع والجميع بخير.

المزايدون


اصبحنا في حاجة إلى لحظات المصارحة في العمل والصداقة والحب والنجاح والفشل، فما أقسى من الموت إلا انتظاره، حيث يأخذ الانتظار والترقب مساحة كبيرة من حياتنا، ويعطلان بدايات أخرى كان في الإمكان أن تعيش وتنمو بشكل طبيعي، لولا فكرة التأجيل التي تسهم في التأخير في كل شيء، فما أصعب الوقوف على أمر ما، لا نتقدم خطوة بينما نتأخر أكثر من خطوة، حين تقارن بعض الشخصيات خطاها بخطى الآخرين وترى من كان معها سبقها، وهذا ما ينطبق على كل شيء في حياتنا، العملية والعاطفية والاجتماعية وحتى الحزبية.

ففي قاموس الأخطاء هناك مصطلح الندم والأسف، وهي نتائج أخطاء قمنا بها في حياتنا، ويكبر الندم حسب الخطأ، وحسب الشخص الذي نخطىء في حقه، أي أن الخطأ في حد ذاته لا يشكل حجم الضرر بعيداً عن الآخر الذي يكبر ويصغر الخطأ بسببه، فالكذب مثلاً لا يتشابه وليس له لون واحد، فالكذب على الأعداء واجب وطني، أما على الأصدقاء والزملاء فهو جريمة، وعلى الأهل كارثة، وكذلك خيانة الحبيب ليست كخيانة الوطن، والأذى الذي يصيبنا من عابر سبيل، ليس كأذى الجيران والأصدقاء والأحباء، وإذا قدر لنا أن نقوم بعمل ما ونحن بكامل قوانا العاطفية والاجتماعية، فهل نفضل أن نفعل شيئاً وربما نندم عليه، أم أننا لا نفعله وقد نندم لأننا لم نفعله إذا كان فيه خير لنا، وهذا السؤال هو ما يحدد نوع الشخصية، فالإنسان الذي يقُدم عل فعل ما، وإذا أحس بأنه أخطأ، ليس في حق الآخرين، فإنه لا يشعر بألم كما يشعر بالندم على فواته، وهذه الشخصية هي القيادية والاقتحامية والناجحة في الحياة، فمن الأفضل لنا أن نندم على أن نتحسر وأفضل الحالتين أن ننجح.

فهل أصبحت مشاركة أحد الزملاء اثناء تواجده في الأردن، بمداخلة هاتفية في مهرجان تنظمه الشبيبة الشيوعية من فلسطيني 48 دعماً لنضالهم، كل جريمته أن تحدث بكلمة عبر الهاتف، فلم يرحمه بعض الزملاء وأضحى فريسة يتهافتون على نهشها وتمزيقها، مع أن هذا الزميل تجاوز مرحلة الدهشة مما يحدث، وفي كل مرة كان يحدث فيها مثل تلك المهاترات كنت أطلب منه الرد فلا يرد، واكتشفت أنه يعرف كيف يدافع عن نفسه، وكانت له وسائله الخاصة في الدفاع وهي التجاهل التام.

فلم يترك في مرة من تلك المرات من الجدل المستمر، ما يشوش أفكاره ويضعضع ثقته بنفسه، ويدفعه إلى مقارنة نفسه بسواه، ولم يجب على أسئلة سخيفة من مجموعة مدعين وحاقدين وفاشلين وربما أغبياء ومنهم قادة يجهلون لوائحهم الحزبية وربما لم يقرؤها أصلاً.

فالمنظمة الشبابية للحزب الشيوعي الاسرائيلي ـ ركاح (عرب 48 )ظلت عضو في المنطقة العربية للوفدي (اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي) منذ تأسيس الاتحاد وحتى عام 2006 وطوال تلك المدة كان اتحاد الشباب التقدمي يشارك في كافة الاحتفاليات والمهرجانات والمناسبات جنباً إلى جنب مع شباب الحزب الشيوعي الاسرائيلي ـ ركاح (عرب 48 )

ففي عام 1995 نظم اتحاد الشباب التقدمي الإجتماع الإقليمي لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، وحضره ممثلي الحزب الشيوعي الإسرائيلي ـ ركاح (عرب 48 ) بصفتهم عضو في المنطقة وحضره الزعيم خالد محي الدين رئيس الحزب في ذلك الوقت مع د. رفعت السعيد الأمين العام حينها، وكان أمين اتحاد الشباب وقتها ومنسق الاجتماع الزميل عادل الضوى، وفي عام 1998 نظم واستضاف الاتحاد الإجتماع الثاني وحضره ممثلي (ركاح ـ عرب 48 ) وافتتحه الزعيم خالد محي الدين ود. رفعت السعيد، وكان أمين الاتحاد حينها ومنسق الاجتماع الزميل أشرف شهاب، وفي عام 2006 تم تنظيم نفس الاجتماع وأعلن اتحاد الشباب التقدمي بأنه سيتم دعوتهم للحضور ولم يعترض الحزب، لكنهم اعتذروا لضيق الوقت، وكان وقتها الزميل عبد الناصر قنديل أمين الاتحاد، وكان منسق الاجتماع وعضو المكتب التنفيذي حينها الزميل أحمد بلال.

إن الحركة الثقافية المصرية والعربية بجميع أطرافها معارضين ومؤيدين، كانت ولا زالت تتعامل مع أطراف عديدة من أعضاء الحزب الشيوعي الاسرائيلي، والذين هم في حقيقتهم عرب فلسطين الذين رفضوا بيع أرضيهم ومغادرتها، وهم العائق الوحيد أمام اسرائيل لتهويد الدولة، وعلى رأسهم الشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم والشاعر توفيق زياد، والذين كانوا ضيوفاً أساسيين في معرض الكتاب المصري في كل عام ونزلوا ضيوف على حزب التجمع في العديد من المرات .

وأود أن أذكركم بحادثة صدور حكم بإسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من اسرائيليات، والذي انتقدته هيئات كثيرة داخل المجتمع ورفضت هذا الحكم لأن هؤلاء الزوجات هن عرب 48 الذين رفضوا ترك أراضيهم، وعليه توقفت الدولة عن تنفيذ هذا الحكم.

تلك الأقلام المجندة للباطل والتي غابت عن كتاباتها القيم وطموحات الحزب وآماله، بكتابات يأس وقنوط وتخلف على جميع الأصعدة، ومهما حاولت أن تبرر وتظهر بمظهر أخر، إلا أن القناع قد سقط والمكانة اهتزت، وغابت طيبتها التي كانت زائفة ومهترئة.

فهناك مواقف لا علاقة لها بالشكل الإنساني للتعامل، لأنها تكشف عن معادن بشرية هي عبء على نفسها وعلى الآخرين، تبني مجداً زائفاً معتمدة على نظرة قاصرة ذاتية، تتبنى الذات ومصالح شخصية، مثل تلك المواقف لا تُظهر الافكار السوداء فحسب، لكنها أيضاً تفرز الشخصيات وتعري النفوس وتكشف عن فئة تتبنى النفاق والرياء في كل محفل، تتلون وتتشكل وتهادن وتنافق وتكون صوتاً ليس لنفسها، بل للباطل.

حزبنا ابتلي بتلك النماذج وبتلك الآفات، التي تمثل التهديد الحقيقي لأمنه واستقراره، لأنها تبني ركائزها على الفتنة، لا نأمن لها موقفاً ولا جانباً ولا نستطيع أن ندير ظهورنا مطمئنين في حضرتها.