يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

مكون أساسي



نشرته بموقع أخبار يوم بيوم وجريدة الكرنك في أغسطس 2012
يقول المفكر والشاعر الفرنسي بول إلوار "هناك بالتأكيد عالم آخر، لكنه موجود داخل عالمنا هذا" وهذا العالم الذي يقصده إلوار ليس حكراً على المحظوظين، فكل واحد منا له عالمه، والقدرة الذاتية على الإبداع موجودة في كل شخص حتى لو لم يكتشفها، فهناك من يهملون قدرتهم الإبداعية ويتركوها مدفونة بداخلهم، ومن يهيئون لها مساحة من حياتهم اليومية فتنمو وتزدهر.
غالباً ما يرتبط الإبداع في أذهان الناس بمجالات معينة، مثل الفنون باختلاف أشكالها، لكن كل شيء حتى لو عادي لو أجرينا عليه بعض التعديل ممكن أن يتحول لشيء نبدع فيه، فاتخاذنا طريقاً مختلفاً ونحن ذاهبون للعمل نوع من أنواع الإبداع، فقدرة الإنسان على الإبداع موجودة في داخله في كل وقت وآن، جاهزة ومستعدة لأن تتطور، شرط أن تجد من يرويها لتنمو وتظهر، حيث يحتاج كل فعل إبداعي إلى شخص ينميه ويغذيه ويطوره، حينها يتحول الشخص إلى مبدع.
الإبداع يتطلب مساحة من الوقت والاسترخاء والهدوء إلى جانب عوامل أخرى تمكن المبدع من الابتعاد عن ما هو منطقي، فالإبداع يتطلب في أغلب الأحيان التقوية والدعم، والمبدع الحقيقي لا يحتاج إلى بذل مجهودات جبارة لكي يظهر موهبته الإبداعية، فالمبدع الحقيقي هو ذلك الذي يظهر إبداعه بمجرد قيامه بمجهود بسيط، فعلاقتنا مع الإبداع علاقة معقدة ومتعددة المستويات، فهو من جهة مكون أساسي ضمن منظومة ادواتنا الإدراكية، ووسيلة لا غنى عنها لتشكيل التراكم المرجعي المعرفي الذي نستند إليه في بناء مواقفنا.

ممكن وغير قاصر



نشرته بموقع أخبار يوم بيوم
عمر الأشياء أطول من عمر الإنسان، فوحده الإنسان ينطفىء سريعاً ويرحل، فإطار لوحة الكنفا التي طرزتها أمي بيدها تنام على جدار غرفتي .. وتنام أمي تحت التراب .
الفن هو صورة للحياة من خلاله يمكننا القول والتعبير بحرية مطلقة، فالتعبير هو مدخل إلى حياة أخرى تكمن فيها التعاليم والأمور التي يمكن من خلالها البوح والاعتراف بما هو ممكن وغير قاصر .
فالرسام يجد في لوحته سبيلاً للتعبير الواسع عن مكنونات مافي ذاته، واللوحة التي يرسمها تشكل له حالة لا يمكن وصفها بكلمات عابرة، ويكون فيها تعبير عن جزء مهم من حياته وكيانه وجسده، وحين ينتهي من رسمها تكتمل عناصر ولادتها وتصير مالكاً للجميع، فأن تكون اللوحة وألوانها هي المحرض على مواصلة العمل والإبداع، أفضل من أن تبقى وحيدة في منأى عن الآخر، فهناك من سيقتنيها ويعلقها على جدار أيامه، وستكون غائبة عن نظر صانعها، لكنها حاضرة وجاثمة في ذاكرته، فثمة أشياء وهياكل وأماكن ينحاز الفنان لرسمها أكثر من سواها، ويكون هذا الأمر عائد إلى الخصوصية التي انطلق منها في حياته، وفي طريقة عيشه وإقامته، فالإنسان بعاداته وطقوسه على اختلاف تنوعها وأشكالها، تبقى العادات التي يتحرك من خلالها هي الأساس الذي يمكن من خلاله ربط الحياة جيداً واستخراج منها الصور المليئة بكل أنواع المعنى والزمن، فقدرتها وتأثيرها في بلورة مفهوم الحياة أكثر بكثير، فتكون ألوان اللوحة متجانسة كلياُ مع الذات التي تبني المشهد الداخلي للحياة والإنسان .
الفن يبقى علامة أساسية من علامات تقدم الأمم وتطورها، وإذا كان علينا كمتلقين احترام الفن والفنانين، فإن هناك مجموعة عليها مراعاة المجتمع الذي ينتمون إليه، وإدراك مستوى الوعي الثقافي لدى العامة من الذين يسهل انقيادهم وراء الغرائز والعصبيات، و كما قال أندريه موروا "الحرية والمسئولية متلازمتان كالتوأمين".
لقد عرفت العصور الإسلامية المزدهرة نشاطاً فنياً في مختلف الميادين والاتجاهات، فلو استعدنا نماذج من الشعر والفكر والفلسفة والعمارة، سنكتشف أن مساحة الحرية والتسامح في الإسلام، أوسع بكثير مما يتخيل بعض من يريدون تكليف أنفسهم بمهام لم ينتدبهم أحد للقيام بها.
لم يصل مستوى فهم الأعمال الفنية في أوروبا إلى ما وصل إليه بين عشية وضُحاها، بل هو نتيجة تراكم معرفي على مدى عقود طويلة من الزمن، لذا ينبغي علينا جميعاً العمل لردم الهوة بين مجتمعنا والنتاج الإبداعي الحقيقي الذي يخاطب العقل والروح والوجدان.
الحرية التي يناشدها كل إنسان وأقرتها كل الشرائع والعقائد وفي مقدمتها الإسلام، حرية مداها واسع وسع الكون، والفن الحقيقي هو استلهام لعمل المبدع .