يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

ثورة الحرية والأخلاقيات الجديدة


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي وجريدة أهالينا

على مدار ثلاث عقود والأحداث تتأجج وتتصاعد في كل انحاء مصر، كان المواطن المصري على هامش الحدث وليس جزءاً منه، ضحية له دون أن يكون له دور فيه، يدفع قوت يومه وأحياناً حياته ثمناً لاتفاقات ومؤامرات لسياسات مجحفة.

عبر ثلاث عقود غلف اليأس نفوس المصريين ونسجت عنكبوت الصمت خيوطها على بلد كان يعيش شعبه في نوم عميق، كان التاريخ سيسقطهم من كتبه كما اسقطهم النظام من حساباته.

ثلاث عقود مرت وكان المصريين يعيشون في مدرجات الساحرة المستديرة ويصحون من سباتهم أمام مباريات كرة القدم كلهم حماس ومشاعر وطاقة وانفعال في بطولات كروية تختزل مصر بكل معانيها.

ثلاث عقود من الزمن كانت فيها عقارب الساعة تسجل موتاً إكلينيكياً لشعب أدمن الصمت، كان يبحث عن الأمل في غابات اليأس فلا يجده، فينام على وسائد القهر والظلم والإحباط مكمه الأفواه، مقيد اليدين ملقى في غياهب النسيان.

وأخيراً أفاق من سباته الطويل في الخامس والعشرين من يناير، وكان يظن أن الزمن تجاوزه وأنه لن يصحو على صوت الكرامة والحرية، ولن تشرق شمس التغيير على أرضه المنسية.

صرخات مؤلمة وموجعة انطلقت من حناجر أنهكها الزمن والحزن، وزرع اليأس نفسه فيها، تبحث عن نفسها وعن مستقبلها، عن قوتها وأمنها، عن لقمة عيش غير مغموسة بالذل والهوان، عن الأمان وعن مكان تستطيع من خلاله أن تصل للغد، وأن تجد لها مكاناً في القطار المتجه نحو المستقبل، هذا القطار الذي تجاوزها من سنين وتركها بين يدي نظام ظالم وفاسد يعبث بها.

احتجاجات ومظاهرات ومطالب عادلة، وشباب متقدم لانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، ومشاهد مؤثرة ولقطات مبكية وصور مخيفة، فهل يعقل اطلاق النار على مدنيين عزل أرادوا التعبير عن بعض حقوقهم الإنسانية، كيف يعقل زرع الجثث في الشوارع والميادين وتلوين الإسفلت بالأحمر من دم الشهداء في عتمة الليل؟ هذا هو النظام، لا اجد كلمات تصف حجم الخيبة والألم والقهر، ولا يمكن التغاضي عن بطشه القاتل البغيض الذي انعدم عنده أدنى حس إنساني، هذا النظام الذي لم يكن يؤمن بالمعجزات وكان يدافع عن الوهم لدرجة أنه ظلم اليقين، فكان يعتقد أن القوانين عنده لعبة كرتونية يلصق قطعها ويشكلها كما يحب ويشتهي، ومصر لديه "سبورة" يمسح خارطتها ويغير تضاريسها بما يتوافق مع أمانيه، لكن مصر ليست بيت من رمل يشيده بسهولة على شاطىء البحر ويتقاسم غرفه وممراته وطرقاته وذكرياته، ولا حكم شعبها علبة مذهبة يختاره على ذوقه.

فيامن تدافع عن النظام، هذا النظام لن يعود، فالزمان لن يعود من أجل أحد يوماً إلى الوراء، فالأزمنة لا تتوقف ولا تسير للخلف من أجل إعادة الصبا لحلم مسن أو أمنيه شاخت على محطات الإنتظار، فالشباب ساروا على أجساد أحبائهم ليصلوا لما يريدون، وقفزوا على قامات وُقرائهم ليتسلقوا السور الذي يريدوه، بعد أن تم توصيفهم بالهامشية والسطحية وعدم اهتماماتهم بقضايا مجتمعهم الجوهرية والحيوية، لكنهم أثبتوا أنهم شريحة فعالة ومؤثرة قادرة على صنع التغيير المنشود، بعد أن أنضجتهم التجارب والمحن وفتحت وعيهم على المسائل المصيرية التي تصنع غدهم ومستقبلهم، هاهم أكثر وعياً وتقدماً وشجاعة من قياداتهم وأحزابهم وتياراتهم على اختلاف مواقعها وتوجهاتها وأهدافها، فقد صنعوا ما عجزوا هم عن صنعه، وفرضوا تغييراً على مستوى تطلعاتهم، مشحونون بالتغيير ومستعينين بثورة الإعلام ووسائل الاتصال التي هدمت جدران الكبت والتعتيم، واوقفت أجهزت الرقابة عن عملها.

تلك الثورة جعلت الشعب أكثر وعياً وإدراكاً وحراكاً، وأكثر طلباً للحرية والكرامة ولقمة العيش، وستكون هناك نصوصاً وأعمالاً إبداعية تخلد اللحظات التي صنعها الشباب الذين ظُلموا كثيراً وطويلاً.

Cizar_omk@yahoo.com

ثورة الغضب

نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي

الزمان: الثلاثاء 25 يناير 2011 م ـ 20 صفر 1432 هـ

المكان: ميدان التحرير

قام بها: صفوة من شباب مصر المتحضرين

اهدافها: كبيرة ومشروعة

شعارها: الشعب يريد اسقاط النظام

اعدادها: مليونية

ثمنها: دماء ذكية لشباب وفية

شكلها: جميل ويشرف

صوتها: وصل للعالم كله

النتيجة النهائية: نجاح بنسبة 100%

امضاء: مصري

قُتلوا واطلق عليهم الرصاص الحي وسالت دماؤهم في الشوارع والميادين وهم يهتفون للحرية والعدالة الإجتماعية، نادوا من البداية بأنها سلمية ودافعوا عن حرية التعبير، منهم من كان يبحث عن فرصة عمل يوفرها لنفسه وغيره من الشبان، ومنهم من حاول انقاذ اصدقائه من اعتداءات البلطجية، ليدفع الكثير حياتهم ثمناً لنظام فاسد وضباط جبناء اطلقوا الرصاص الحي ليخترق اماكن مختلفة في اجسادهم.

منذ أن بدأت ايام الثورة وانا اضع يدي على جسدي اتحسسه كاملاً ابحث عن مكان اختباء روحي به، كي ألقنها قوله تعالى:"يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" خشية أن تخذلني روحي في لحظاتها الأخيرة فلا ترحل آمنة ولا مطمئنة.

كان الشارع المصري مثقل بألف وجع وخيبة وصور قاسية، وجع يخرج من انفعال الشباب وقهر العجائز والضياع الذي نراه في عيون الصغار والخوف في وجدان النساء، ثم جاءت صور اقسى من ضرب الشرطة والبلطجية بجميع الاسلحة للشعب اثناء خروجه للتظاهر سلمياً، الامر الذي ادا لسقوط عدد كبير من الشهداء الذين تدفقت دماؤهم في عروق الشعب لتكون الثورة، ثم جاءت الصور المتلاحقة من ميدان التحرير وامام نقابات الصحفيين والمحامين والعمال ومجالس الوزراء والشعب والشورى وماسبيرو بالقاهرة، ومحطة الرمل وميدان الجامع بالاسكندرية، وميدان المحطة بأسوان، ومباني المحافظات في السويس وبور سعيد و.....

صور تشع فرحاً بالثوار الذين يسعون للقمة العيش ومستوى لائق بكرامتهم الانسانية، إلى حرية تتيح لهم العيش بهناء وسكينة في بلدهم.

ونجح الثوار في احرج النظام وكشفه امام الرأي العام العالمي بأنه نظام ارهاب واجرام وقتل وسفك دماء، نجح الشباب في تعرية النظام اعلامياً حيث لم يتسع فضاء الإعلام المصري لأحداث الثورة ولم يحتمل بث الحقيقة ولا الرأي الآخر، ولولا الإعلام العربي وقنواته الفضائية الذي وقف بجانب الثورة اكثر من اعلامنا وقنواتنا المصرية لقتل معظم الثوار ودفنوا في مكانهم ولم يشعر بهم احد، لقد ضاقت مساحات الفضاء المفتوحة للقنوات المصرية عن تحمل احداث الثورة، وتقاعس رؤساء تحرير الصحف القومية الذين يتشدقون بالحرية على طريقتهم من أن يكتبوا شيء عن الثورة وأن التغيير قد بدأ، ما حدث كشف زيف الحرية الإعلامية وهشاشة ذلك الشعار وحقيقة الحرية المكفولة بكتابة واثارة القضايا الوهمية التي تشغل الرأي العام عن القضايا المصيرية، نادا النظام بحرية الرأي لكنها الحرية التي تقيد الصوت الآخر وتخرسه وتحاربه وتفرض عليه القيود، لقد غاب صوت الحقيقة بغياب احداث الثورة التي نجحت في تعرية النظام اعلامياً وسياسياً امام دول العالم التي اتخذت مواقف واضحة منه وطالبته بسرعة تسليم السلطة سلمياً.

البعض يقول لقد نجحت الثورة وحققتم بعض مطالبكم ولا دعي للإعتصام وتعطيل حركة الشارع، ويهاجموننا ويتهموننا بأننا تسببنا لهم بخسارات فادحة بدلاً من أن يشكروننا لأننا فعلنا هذا من اجلنا واجلهم، فهم مثل من سرقت منه حقيبة مليئة بأوراق هامة وفيها 20 جنيه فقط وعندما لحق شاب باللص واعاد الحقيبة لصاحبها، قال صاحبها له أين الـ 20 جنيه.

الإعتصام ليس غاية في ذاته إنه الوسيلة لا الهدف، الهدف الاستراتيجي هو اسقاط النظام الذي ينتظر منا أن ننحني امام اعصار محاولة سقوطه، لكننا لم ننحني حين كسر هرواته على ظهورنا واطلق رصاصه على صدورنا، فكيف سننحني امام اعصاره، وحين بدأت قائمة اسماء رموزه تنفرط كحبات عقد فتاة عفيفة اغتصب ذئاب الطريق عنقها، رحلت هي وبقيت حبات العقد تقص علينا تفاصيل الجريمة وبشاعتها.

رموز سياسية تزيل الثورة قناعها ويفضح النت ألم شعوبها، رموز يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته، وما اكثر الذين قتلوا القتيل ومشوا في جنازته، ملأوا بالرماد عيون ايامنا وغرسوا خناجرهم في ظهر اعمارنا ومزقوا ايامنا لأشلاء، وادرجوا اسماءنا في قائمة الوفيات وواروا تراب الحزن على قلوبنا، ووضعوا ورودهم على جثمان احلامنا ونصبوا خيام العزاء بنا بعد أن يتموا اطفالنا.

لكن على الرغم من اهمية ما تحقق وعلى الرغم من ضرورة فضح النظام وكشف المزيد من ممارساته الاجرامية امام الرأي العام العالمي الذي بات اكثر ادراكاً ودراية بطبيعة النظام الفاسد، علينا عدم الاكتفاء بالنجاحات التي حققناها من مطالبنا على الرغم من ضروراتها في سياق الصراع الضاري مع النظام الظالم، وعلينا أن نتذكر بأن هذا النظام لازال قائماً بوجوه اخرى وعلينا اسقاطه، وعلينا أن لا نثق بأي وعد يقطعه هذا النظام على نفسه، ولنتذكر رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل الذي نُسب إليه اشهر تعليق عن الكذب حين سألوه في مجلس العموم ولم يجب اجابة صحيحة وكذب على المجلس، وحين تمت مواجهته بالحقيقة قال:"انا لم اكذب ولكنني اقتصدت بالحقيقة" واعتبر هذا المصطلح السياسي من اشهر التعريفات للكذب الدبلوماسي.

اصحاب الموقف


يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجه:

لا تشك للناس جرحاً انت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ

نعرف أن لكل انسان طبيعي موقفاً معيناً من كل شيء، واحياناً تتغير المواقف حسب القناعات وما يستجد من معلومات، ولكن هناك مجموعة من الناس لديهم اللاموقف، اي انهم في الوقت الذي لا بد أن يكون لهم رأي أو موقف معين فإنهم يصدمونك بأن ليس لديهم موقف.

اتحدث عن المذبذيين الذين تكون مواقفهم متغيرة حسب المصالح، فهذا شأن السياسة المتغيرة في حياة متغيرة، واشير هنا إلى المواقف في حياتنا السياسية والبرلمانية وهي التي تحكمها في الغالب الثوابت، امثال من يتحدثون عن الضمير والقيم والمبادىء، وهم برمجوا ضمائرهم وقيمهم ومبادئهم حسب مراكزهم ومصالحهم، ويرون شكلاً معيناً لمصر يرسمونه على مقاسهم، ثم يريدون من الآخرين الإلتزام بما رسموه، وهؤلاء يسبب وجودهم اذى واستمرارهم عذاب ويصبح فراقهم متعة وضرباً من النجاح، لأن النجاح عندهم يقاس بتقلد المناصب متناسين أن الدول المتحضرة تعتبرالمنصب حالة من التكليف وليس من التشريف، بينما عندنا نجعل المنصب اولاًعلى كرسي التشريف، وهذا ما أسهم في بقاءنا في مكاننا، حيث آلية تقريب أصحاب المصلحة على أصحاب الثقة والعلم، وظهور جيل من السياسيين الشبان يزاحم الجيل الكبير أو ما يسمى بالحرس القديم، والإثنان معاً سواء القديم أو الجديد مسؤلان معاً عن منظومة الفساد التي تشهدها مصر إنسانياً وعلمياً واقتصادياً وإدارياً، فالعلاقة بين الديمقراطية ومكافحة الفساد وثيقة، لذلك لابد من المحاسبة والمساءلة، ولكن بعض المسؤولين لديهم حصانة عجيبة ولو اجمع كل الشعب على سوء ادائهم، حيث يبقون في اماكنهم وحين يتم ادانتهم وننتظر محاكمتهم تتم ترقيتهم.

والغريب أننا نستوعب الصمت الرسمي حيال مثل هذه القضايا، حيث تعودنا من حكومتنا على ذلك، ولكن الأغرب هو الصمت الشعبي تجاه القضايا السياسية او الوطنية، فهل ترضى ضمائر حكوماتنا بحجب الآلاف من الأصوات عن حقها في الاختيار.

من تابع الانتخابات البرلمانية الاخيرة وما تم فيها، سيكتشف هول ما يرتكبه النظام في حق الشعب، لكن النظام سوف يتأكد ومن خلال كل التجارب التاريخية انه سيأتي يوم يعجز فيه عن كسر الارادة الصلبة للمصريين في التغيير، فتحية لكل فرد من الشعب لم يبع صوته مقابل حفنة من الجنيهات، تحية لكل من كان له موقف وخرج من بيته ليدلي بصوته ويختار من ينوب عنه حتى وإن لم تأتي به النتائج، ولم يقل (وانا مالي) تحية لكم فمن يكتب عنكم ولكم ويرفع صوتكم بصوته يضيف إلى نفسه لا إليكم ويتشرف بكم، والتغيير قادم لا ريب فيه ونكتفي بهذا القدر حتى لا يزعجكم احد ويحجب عنكم موقعنا، ويمنحنا واياكم اجازة اضطرارية.


في ضيافة الزعيم مانديلا



بدأت عجلات طائرة مصر للطيران ايرباص 340 رحلة رقم 839 والمتجهة من مطار القاهرة إلى مطار جوهانسبيرغ ترتفع عن سطح الأرض وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً من يوم الأحد 12 ديسمبر 2010 ، وكنت احد ركابها ضمن الوفد المسافر ممثلاً لإتحاد الشباب التقدمي المصري في مهرجان الشباب والطلاب السابع عشر الذي ينظمه اتحاد الشباب العالمي الديمقراطي "وفدي" تحت رعاية حكومة جمهورية جنوب افريقيا.

كان الركاب قد شدو احزمة مقاعدهم استعداداً لرحلة جميلة وطويلة، وكان التعب يجد نفسه ضيفاً ثقيلاً فيغادر بسبب الشغف بالمهرجان واموره، فالحديث مع الأصدقاء اقوى من أن يبتلعنا التعب، وذلك أن السفر مستمر في تحريضنا على اكتشاف الجديد، فالسفر مفتاح للمعرفة والتواصل والتعارف والبحث عن الجديد والمفيد، فهو شيء حي ونابض بالحب والعطاء واضافات شتى للمرء.

وبعد 8 ساعات وصلنا لسماء جنوب افريقيا وكان النور قد سطع علينا صباح الأثنين 13 ديسمبر وكانت الساعة السابعة والنصف وهو نفس توقيت القاهرة، وظهرت الأكواخ المتناثرة بين المساحات الخضراء الشاسعة، وحين هبطت بنا الطائرة وانهينا اجراءات الوصول خرجنا من مطار جوهانسبيرغ التي تستقبل القادم إليها بمناخ هادىء قبل أن تسعده بأمطار هادئه أحياناً، وغزيرة أحياناً أخرى، واستقبلنا احد افراد اللجنة المنظمة وصحبنا للسيارة التي ستقلنا إلى بريتوريا المدينة التي تستضيف المهرجان، والمسافة بين المدينتين اقرب من أن ينتبه المرء إليها في سعيه إلى معاينة طبيعة استقت من الحياة جمالاً وروعة، جعلت الحوار بيني وزملائي الصمت لأننا مشغولون بلغة الصور.

ثم وصلنا لبريتوريا التي استقبلتنا بشمسها المشرقة وطقسها المائل للحرارة، وبريتوريا هي العاصمة الإدارية لجنوب افريقيا التي توجهت إليها الأنظار وكاميرات التلفزيون من 11/6 إلى 11/7 / 2010 حيث حظيت بشرف استضافت مونديال كأس العالم لكرة القدم، هذا الحدث الذي يتكرر كل 4 سنوات، ولم تنال شرف تنظيم نهائياته أي دولة في قارة افريقيا من قبل، وجنوب افريقيا بلد في أمس الحاجة لتلميع صورته السلبية الماضية على الساحة الدولية، بسبب عقود طويلة من نظام فصل عنصري، لم تتلاش ذكرياته من أذهان الناس، وإلى ذلك فإن الرهنات الإقتصادية والإجتماعية لحدث مهم كهذا، ربما تعد أكثر اهمية من النتائج الرياضية في حد ذاتها من منظور الإتحادات الرياضية وقيادات البلدان المنظمة، إذ تشكل احداث كهذه مناسبة تحفز سوق البناء والتعمير، ودفع عجلة قطاع الخدمات أيضاً حيث اتاحت 130 ألف فرصة عمل وتحصيل 2.5 مليار من الضرائب ورسوم اضافية، عززت موازنة الدولة، بحسب تقارير وزارات الإقتصاد والمالية والعمل لحكومة جنوب افريقيا، واجتماعياً حرصت السلطات على اغتنام فرصة المونديال للتوصل لحالة انفراج، او ربما وفاق بين فئات المجتمع المختلفة في بلاد تكثر فيها الإضطرابات العرقية والطبقية، وتتسم بأنها تشهد إحدى أعلى نسبة الجرائم في العالم.

ثم وصلنا لجامعة تاشوان حيث كان سكن الطلبة فيها هو مقر اقامة الوفود المشاركة، ويعد السكن منتجع هاديء وجميل جداً، وما إن وضعنا امتعتنا وغيرنا ملابسنا حتى خرجنا نستطلع المنطقة حولنا ونشاهد سحر الطبيعة، وحين اقترب موعد افتتاح المهرجان توجهنا مع الوفود إلى استاد بريتوريا، بانتظار وصول الرئيس الجنوب افريقي "جاكوب زوما" للإفتتاح، وحين حضر صاحبه حرس الشرف إلى المنصة، ثم دوا صوت المدفعية بـ 21 ضربة في سماء بريتوريا، ثم عُزف النشيد الوطني، وبعدها بدأ حرس المشاة باستعراضاتهم بمصاحبة عزف فرقة المرشال العسكرية، ثم استعرضت القوات الجوية طائراتها بأكثر من 9 طلعات جوية، وبعد نهاية الإفتتاح رجعنا لمقر الإقامة.

وعلى مدار 10 أيام قضيناها بالتعرف على عادات وفلكلورات وفود الدول المشاركة في المهرجان ومصادقتهم، ومقابلات الأشقاء من وفود الدول العربية والسهرات التي قضيناها معهم والحوارت التي استمتعنا جداً بها، اصبحت لقاءتنا ملتقيات سياسية وفكرية وجلسلت مفتوحة للشعر مع متعة المُشاهدة للطبيعة والسهر واللقاءات والنقاشات التي زالت الحدود التي وضعها الإستعمار بين بلداننا، إلا أن هناك مناقشات صدمة البعض منا، ومنها غياب القضية الفلسطينية والإنشقاقات والتمزقات الإنسانية والمجتمعية بين ابناء الوطن الواحد المنقسمين لجبهتين، المغرب الرافضين انفصال الصحراء الغربية عنهم، والصحراويين (الساقية الحمراء ووادي الذهب)الذين يطالبون بحق تقرير المصير، والذين غصنا وزملائي لقعر نواياهم و اكتشفنا قاع مجتمعهم بعنفه وتوتراته.

وبرغم الطبيعة الجميلة وصدقات شباب من جنوب افريقيا الأجمل، الذين يهبون لمساعدتنا حين نسأل عن شيء أو نضل الطريق، اكتشفنا أن هناك اشياء أخرى احضرنها معنا في سفرنا من دون أن نعلم، وأولها الحنين لمصر الذي لم تتسع له حقائبنا، لكننا حرصنا أن نأخذه معنا دون أن ندري، وهيئنا له مساحة كبيرة من الصبر، حيث اكتشفنا أن هناك اناس لازالوا عالقين في اذهاننا وكلنا شوق لرؤيتهم مرة أخرى، فقصص الحب التي كانت بداخلنا واعتقدنا أنها خارجنا، كانت تصرخ فينا قائلةً: لن ابقى وحدي وتصر على مرافقتنا، وذكريات الأقرباء واختلافاتنا معهم الغير مبررة، واحاديث لأصدقاء لازالوا على قيد الصداقة، كل ذلك كان معنا وبرفقتنا.

ومن أجمل المزارات السياحية هناك رحلات السفاري لمحمية ليون بارك،

حيث يتم التجول فيها بواسطة سيارات جيب محاطة بشبك حديدي، يستطيع الزائر مشاهدة الأسود والنمور بآمان والتمتع برؤية باقي الحيوانات من افيال ضخمة وقطعان ووحيد القرن و..... وعلى باب المحمية توجد لوحة شرف كتب عليها اسماء الذين اكلتهم الحيوانات المفترسة بسبب مغادرتهم السيارة، ولعالم البراري جمالياته الخاصة تحتار معه العين أين تنظر وماذا تتأمل، فالسحر يحيط بنا ويدعونا بإصرار على شكر الخالق أنه خلقنا وأوجد لنا دنيا فيها كل المقومات والروعة، ومنها الطبيعة الغنية بمكوناتها واشكالها الخام التي لم تسهم في جمالها يد الإنسان، اجواء قبلية تحيط بنا واكسسوارات ملونة تعبر عن البيئة الرائعة نفسها، وازياء من جلود النمور تتماشى معها، تمنح السيدة التي ترتديها اطلالة فيها الكثير من التحدي والشموخ المغلف بلمسات انوثية ناعمة، تجذب الناظر إليها وتثير الغرائز البدائية، لا احد يضاهيها جمالاً ولا سحراً ولا قوة، كأنها لبؤة في مملكتها.

وايضاً الوقوف تحت اقدام جبل شاهق كللته حكمة السنين، والسير في كهوفه التي حفرها وسكنها الإنسان البداءي، كأنك تعيش قصة من قصص ألف ليلة وليلة.

وايضاً زيارة منتجع من اكبر واجمل منتجعات العالم السياحية حيث تستطيع قضاء يوم كامل هناك أو المبيت وتجربة الحياة الثقافية لشعب جنوب إفريقيا الأصلي وتناول طعامهم أيضاً، وهو منتجع مدينة صن سيتي Sun City ، وأيضًا Gold Reef City مدينة جولد ريف التي تعد المتنزه الأول والرئيسي لمدينة جوهانسبيرغ حيث يستمتع السائح فيها بمشاهدة المناظر الطبيعية الرائعة خلال استقلاله لأحد القطارات ثم زيارة أحد مناجم الذهب على عمق حوالي 1000 قدم تحت الأرض حيث يتم النزول بمصعد والسير داخله والتعرف على طريقة استخراج الذهب من الجبل وتنقيته وتصفيته وصهره و... حتى خروجه سبائك ذهب خالصة.

وايضاً زيارة الضواحي الشمالية والمنزل الذي كان يقطنه الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك المتحف الأفريقي the African Museum.
ومدينة جوهانسبيرغ هي أكبر مدن جنوب إفريقيا وثالث أكثر المدن الإفريقية اكتظاظًا بالسكان بعد القاهرة ولاغوس، وهي مليئة بالفنادق والمطاعم والمجمعات التجارية الكبيرة، وفيها ساحة جميلة موجود بها تمثال للزعيم نيلسون مانديلا تعرف باسم ساحة مانديلا ،الذي بدأ عام 1942 معارضته لسياسة نظام حكم الأقلية البيضاء في بلاده، واعتقل في عام 1962 وسجن في جزيرة روبن، وفي عام 1985 عرض عليه اطلاق سراحه مقابل اعلانه وقف المقاومة المسلحة إلا انه رفض العرض، فأصبح رمزاً للحرية في القارة السمراء، وفي فبراير 1990 اطلق سراحه ونال حريته بعد 28 عاماً من السجن واصبح أول رئيس اسود لجنوب افريقيا عام 1994 ونال جائزة نوبل للسلام في نفس العام، ورفض الترشح لفترة رئاسية ثانية، وبرفضه هذا مثال لأهمية التغيير وتداول السلطة ومصداقية عميقة للديمقراطية والحياة السياسية.