يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

سنة أولى ثورة


نشرته بأخبار يوم بيوم


مر عام على قيام ثورة 25 يناير، عام بأكمله طوى أيامه ولملم ساعاته، رحل بحلوه ومره، نسترجع فيه ذكريات عام ونختصر حكايات 365 يوماً من أحداث للوطن، كان فيها ما هو طبيعي وبينها ما هو العجب العجاب، استقبلنا خلالها ولادات سياسية جديدة، وودعنا فيها العديد من القديمة، ضحكنا وبكينا، فرحنا وحزنا، كسبنا وخسرنا.

عام كامل من الزمن شهد تحولات جذرية ومتغيرات مصيرية في المنطقة العربية والعالم، وكان لمصر نصيب وافر من تحولات العالم وأزماته.

أشعر وأنا أكتب هذه الكلمات أن العواطف التي يُحسُها الإنسان والحقائق البارزة على مسرح الحياة تكاد تكون كُلاً واحداً لا يتجزأ، ذلك بأن هذه المرحلة بما تضمنته من القسوة والعنف أججت مشاعرنا وإحساسنا إلى الحد الذي جعل منها قوة ثابتة تُكون الخلفية المتينة الدافعة لنضالنا من أجل المستقبل، مما يؤكد تلازماً حقيقياً بين ما نحن عليه وما نعاني منه من جهة، وما نعمل ونناضل من أجله من جهة أخرى، تراودني هذه الأفكار وأنا أستعرض كل مظاهر القسر والظلم التي عانيناها وعاناها شعبنا ووقفنا منها موقف الرفض والتحدي، ولم نكن نملك في نضالنا هذا إلا حبنا لهذا الوطن وحبنا لحرية هذا الشعب وكرامته، وكان سلاحنا الوحيد هو انتشار التقنيات مثل "الفيس بوك" و"تويتر" وغيرهما من التقنيات الخاصة "بالشبكة العنكبوتية" وما شابهها، أفضى إلى وقائع جديدة لم تكن تخطر على بال أحد، فإضافة إلى قدرتها على تأريخ اللحظة بواسطة هواة لا يحترفون العمل السينمائي، نجح الشباب حاملو تلك التقنيات والخبراء فيها إلى أقصى درجة ممكنة في التحول سريعاً إلى مراسلين إعلاميين، همهم الأول والأساسي بث أكبر عدد ممكن من الصور الملتقطة من قلب الحدث اليومي، ومن بين الثوار الذين ملأوا الميادين كلها.

بعيداً عن السياسة هناك الحق الطبيعي في التعبير عن رأي أو موقف أو انفعال أو قول، هؤلاء الشباب المتمرسون في التكنولوجيا الحديثة وجدوا في تلك التقنيات أدوات أقوى من أن يعزلها أي حصار، وأجمل من أن يختزلها أي قول مكتوب أو مقروء، فالصور كانت أقوى وبها نقلوا إلى العالم كله بعض ما يجرى ميدانياً، وإذا عجزت وسائل إعلامية مرئية عديدة عن نقل مباشر لتلك الأحداث، فقد تولى الشباب مسؤلية إرسال ما يلتقطونه بتقنياتهم هذه إلى الوسائل المذكورة، لاعبين دوراً أساسياً في تطوير أدوات التغيير البصري.

تتدافع في خاطري الذكريات وأنا أستعرض كيف كنا ننطلق قبل الثورة بمظاهرات نتحدى النظام ونهتف ضده، ثم تقوم الثورة ونكافح فيما بعد لمحو كل أثر من آثاره، لكي نملك كل مقومات السيادة والحرية في بلادنا، وكيف كان شعبنا في كل مدننا العظيمة يلتف حولنا ليحوطنا نحن أبناءه بسياج من الصلابة والقوة.

إن الفترة التي مرت بها بلادنا من عقود حتى قيام الثورة تمثل جزءاً هاماً من تاريخ مصر الحديث، فما إن تأسس الحزب الوطني حتى كانت مصر ضحية غدر بعض قاداته من الذين وعدوا فحنثوا وخانوا العهود، وقادتهم أطماعهم إلى تقسيم موارد وخيرات مصر عليهم، وراحوا يسعون إلى تمزيق وحدة الشعب وتقطيع أوصاله بالفتنة الطائفية، وفي أجواء هذه الأحداث تفتحت أذهان الشباب على ما تعانيه مصر، وتنبهت عقولهم إلى ما يحاك لشعبها ويدبر له في مطابخ وغرف ومكاتب أركان النظام، وعلى الرغم من حداثة السن فقد تحرك طلاب وطالبات وشبان وإلى جانبهم شيوخ ورجال ونساء وأطفال، بوحي الضمير الحي الذي ورثوه عن الأهل والسلف الصالح، وبدافع حب مصر الذي شربوه مع لبن الأمهات، فإرادة الشعب لا تقهر والخائف لا يتحرر، فينتقل الخوف من الشعب إلى النظام، فبعد الظلم والمهانة تأتي ثورة فشهداء وهروب رموز للنظام، ولا يهرب ولا يخاف من المساءلة إلا المذنب، فيتأخر فهم الحاكم لشعبه، ويتشبث باللعب في الوقت الضائع بتجديد إطلاق الوعود المؤجلة منذ عقود، بعد أن يبدأ عرشه بالاهتزاز، ويؤكد قبل زواله بوقت قصير، حبه لمصر وتضحيته لأجلها، على الرغم من أن كل الذين يخاطبهم يحبون مصر وضحوا ويضحون من أجلها أكثر منه، لكن الطغاة نُسخ مكررة من بعضهم في القول والفعل والسقوط، فالطيور على أشكالها تقع، ولتأكيد مبدأ الاختلاف عند العرب، فقد كان آخر اختلاف بينهم على تسمية الثورات الأخيرة، مظاهرات أم أحداث شغب، فالشعوب العربية هي التي تصنع الأصنام وتعبدها، ثم إذا اشتد بها الجوع أكلتها، تماماً مثل العرب في الجاهلية، عندما يشتد بهم الجوع يأكلون أصنامهم المصنوعة من التمر، فالطغاة يتشبثون بالكراسي، والشعوب تتشبث بالحرية والكرامة، والفيس بوك والفضائيات يخلقون الأحداث ويؤثرون فيه، أكثر من أية وسيلة أخرى، فيقطع النظام الاتصالات عن الشعب، وبهذا يعني أنه يعد لجريمة ما، وعندما يغلق بعض القنوات الفضائية الاخبارية، فيعني أنه خائف من أمر ما، وبإطلاق أول رصاصة على الشعب، تكون هي أول رصاصة يطلقها النظام على نفسه، فمراحل الحكم لدى معظم الحكام العرب تبدأ بالوعود البراقة، وبعد تمكنهم وسيطرتهم على مقاليد الأمور يخلفون وعودهم، ويبدأون بالنهب والظلم والبطش ثم تأتي نهاياتهم، إما بإنقلاب عسكري، أو بإعدام من خلال الغرب كما حال صدام، أو بهروب وحكم غيابي بالسجن كحال زين العابدين، أو بتنحيته كمبارك، أو قتله على يد شعبه كا القذافي، ثم تبدأ معرفة أسرار حياتهم وفضائحهم وعائلاتهم والمقربون منهم، لنكتشف أن لديهم كل شيء، وشعوبهم ليس لديها شيء، ويظهر المنافقون والكاذبون والانتهازيون والمتسللون والمتسلقون، يعلنون عن أنفسهم بوضوح ويعتلون الثورة، بعد أن كانوا قد قاطعوها وقالوا أن الخروج على الحاكم حرام.

إن النجاح في بناء الإنسان هو أساس النجاح في مجابهة كل تحد يواجه الوطن والأمة، فتحية لأرواح شهدائنا الذين قدموا دماءهم وأرواحهم في سبيل حرية مصر، تحية لشعبنا الذي سار معنا شوطاً من النضال ضد النظام، تحية لشبابنا الذين هم عدتنا وأملنا في المستقبل، مستقبل التغيير والنصر والازدهار.

ثورة شعب خفيف الدم


نشرته بأخبار يوم بيوم

أكثر من 846 ثائراً قتل في ثورة 25 يناير التي أسقطت مبارك وأصيب أكثر من ستة الاف اخرين، واستمرت 18 يوما، حسب تقارير لجان تقصي الحقائق الرسمية.
وفي خضم المواجهات وسقوط الشهداء، كان هناك بعض الثوار يحملون لافتات مكتوب عليها "ارحل بئى.. إيدي وجعتني" و"ماتمشي.. مراتي وحشتني" أو شباب شعرهم منفوش "امشي.. عايز اروح أحلق" يسقط منهم الشهداء وهم يحملون لافتاتهم الظريفة، ويهجم عليهم البلطجية ويحولون وحشية البلطجية إلى رسوم كاريكاتيرية ضاحكة.

وبعد أن حققوا مطلبهم الأول وهو تنحي مبارك تغيرت اللافتات إلى "الفيس بوك على كل ظالم" و"ارجع ياريس.. احنا كنا بنهزر .. دي الكميرا الخفية" وحملوا بوسترات فيها صور رؤساء مصر بالتتابع " الزعيم جمال عبد الناصر وبجانبه زجاجة سم، والسادات إلى جانبه رصاصة، وأخيراً مبارك لجانبه شعار الفيس بوك" كما أن هناك ثوار علقوا سرجاً بالميدان، انتزعوه من بلطجية الخيول والجمال كتبوا عليه:"موقعة الجحش 2011 على غرار موقعة الجمل التاريخية"، العقلية المصرية المرحة تفتقت عن جمل وعبارات لم تخطر على بال الشعوب الأخرى، فنجد وسائل الإعلام في كل العالم مشغولين بما يفعله الثوار، ومعجبين جداً بظرفهم وخفة دمهم.
هؤلاء هم من يحبون مصر وحب مصر من الأمور المسلم بها، فلن نجد من يقول حب الوطن بدعة، إن حب مصر الذي نحرص على تعليمه لصغارنا أمر مهم، ولكننا نكتشف أن حبها بمفهوم أوسع يجب تعليمه للكبار أيضاً، حيث إن المفهوم الخاطىء للدين عند البعض، أوجد معايير جديدة وفهماً خاطئاً عند شريحة عريضة من الشعب، حيث أن كل فكرة تحتمل التفاصيل، ومنها يدخل تحريف الحقائق، مثل القول أن من حب مصر الحرص على أمنها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لا يكفي، وأن نقرن الحب بالرخاء فهذا أمر ناقص، حيث إن الفقير هنا يكون ملزم بحب بلده، وأثبت الزمن أن أكثر الناس حباً لمصر هم أهل الفطرة، فابن الفطرة يحبها ولا يبحث عن سبب لذلك، يخاف عليها من أعداء الخارج ولا يتوقع أن يكون لها أعداء من الداخل، حيث أن الفطرة لم تعلمه ذلك.

لقد رأيت حب مصر في عيون الثوار وفي أيام الثورة وذكرياتها، رأيته في عيون أطفال صغار في الميدان برفقة والديهم، وأحسست بحرصهم على أن يكبروا ويجدوا مصر أحلى، رأيته في وجه سيدة في المستشفى تنتظر دور ابنها في العلاج، وسمعتها تردد بالحمد والشكر لله على كل شيء وتطلب من الله أن يحمي مصر.

كان لثورة 25 يناير مذاقها الخاص، حيث كان لها الدور الاكبر في بداية التغييرات الايجابية في مصر، وندعوا الله أن يتحقق المزيد من التغييرات في سبيل تقدم ورقي مصرنا الجميلة، لكن ذلك لن يحدث إلا إذا شعر كل مواطن بدوره الفعال وبواجبه الوطني الذي يستلزم العمل والدأب من أجل كل ما هو أفضل.