يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

عصفور الشرق

نشر في موقع يلا تغيير

مرت علينا منذ يومين،27 يوليو 1987 الذكرى 23 لرحيل عصفور الشرق الأديب الكبير توفيق الحكيم، ذلك الكاتب الذي أمتعنا كثيراً بكتاباته والذي كنت اتمنى أن يقوم الكاتب قبل أن يرحل بكتابة تجربته مع ابنه اسماعيل حيث كانت علاقته بإبنه علاقة حزن، لقد كان كاتبنا الكبير لطيفاً مع أصدقائه ومعجبيه وكان لديه الوقت لهم لكن لم يكن لديه هذا الوقت لأقرب الناس له، فقد حاول كاتبنا كثيراً الإنضمام إلى جمعية الحمير التي أسسها الفنان الراحل زكي طليمات، ورُفض طلبه بسبب بخله والحمار ليس بخيلاً، لقد كان اهتمامه بالحصول على العضوية أكبرمن اهتمامه بإبنه الوحيد الذي كان أديبنا يعنفه جداً وهو صغير يلعب بالشوك والملاعق ليستمع لرنينها الموسيقي، وعندما كبر الابن واختار دراسة الموسيقى رفض الأب هذا الإختيار وقاطعه، فلجأ الابن لأمه ولم يكن عندها ما تملكه سوى عقد ماسي هدية والده يوم زواجهما وضعته تحت تصرفه وصنعت عقداً شبيهاً له ترتديه، ولم يكتشف الزوج ذلك إلا بعد وفاتها، ومرة أخرى احتاج الابن للمال ورفض الأب، فحزن وقرر أن يترك الموسيقى ولم يكن لدى الأم ما تساعده به فحزنت واصيبت بالشلل.

لقد رزق الله اديبنا ابن وهو في سن كبير ومع ذلك لم يعرف قيمة الهدية التي اهداها الله إليه إلا بعد أن مات ابنه مريضاً فأحس بوقع العمر والمرض والشيخوخة والفراق، وبكى كما لم يبكي من قبل وكتب له رسالة لم يقرأها ولم تعد تهمه يقول فيها: والدك في حالة سيئة جداً لفراقك وكل يوم وكل ساعة ينظر إلى صورتك ويرجوك أن تصدق أنه كان يحبك من اعماق قلبه ولكن طبعه كده لا يُظهر عواطفه.
ولكن مع مرور الوقت تأكدت أن التجربة الإنسانية حين تعبر عنها نفس تألمت وعانت، تترك أثراً اعمق واصدق من الكتب والنصائح وربما تنجح في إزالة الصدأ عن مشاعر تنتظر أن تمر بتجربة لتصفو.

في ذكرى الثورة

نشر في جريدة أهالينا وموقع اتحاد الشباب التقدمي

قبل عيد ثورة 23 يوليو بأسبوعان تبدأ حالة الاستنفار استعداداً للاحتفال بذكراها الوطنية، برامج تلفزيونية مقابلات وإشادات بالانجازات وطموحات مستقبلية، وفي الاذاعة أناشيد وطنية وفي المراكز الثقافية أمسيات شعرية وأعمال فنية، جميع برامج الاحتفالات مكررة ولقطات الصورة هي نفس اللقطات التي تظهر في جميع البرامج، حتى أحاديث الضيوف واحدة لانجد سوى الشكر والثناء والاعجاب وسرد ما تنجزه الحكومة في الوقت الحالي بل تضخيمها في مواضيع كثيرة، ولا أحد منهم يذكر السلبيات طبعاً لأن التلفزيون هو تلفزيون الحكومة مع أن
ذكر السلبيات ليس عيباً أو مشيناً في حق حكومتنا الرشيدة، حيث لا يوجد شيء كامل بدرجة 100% .
كم كانت ستكون احتفالاتنا جميلة لو كانت عبارة عن مشاركة منطقية متمثلة في جرد حساب لما مضى على مستوى البلد، فتكون مثلاً ضمن الاحتفالات لقاءات جماهيرية مفتوحة مع الوزراء، بحيث يعرض كل وزير ما أنجزته وزارته خلال العام وما هي المشروعات التي كان من المفترض أن تنجز ولم تنجز وما الأسباب التي عرقلت الإنجاز، ويُسأل كل وزيرعن رؤيته في أنه بدأ من جديد منذ توليه الوزارة حيث لم يكمل مشروعات من كان قبله، فهذا يجعل الوزارة في موقف عدم استقرار و وضوح في توجهاتها.
ويكون أيضاً لقاءات مع أعضاء المجالس النيابية من الحزب الحاكم الذين لم نسمع عن بعضهم شيئاً بعد أن دخلوا مجالسهم واسترخوا على مقاعدهم وربما غفوا لفترة طويلة، أين هم ووعودهم الانتخابية أين صراخهم الرنان في مؤتمراتهم الانتخابية، عليهم أن يقدموا تقريراً عن ما فعلوا وماذا حققوا وإن لم يحققوا شيئاً فلماذا لم يفعلوا.
عيد الثورة مناسبة لفتح ملفات البلد ومعرفة حقائق الامور، لقد بذل صانعوا الثورة جهوداً جبارة لبناء مصر وكان هدفهم إبرازها على خارطة العالم.

نحن أيضاً مصريون

نشر في جريدة شبابنا
لي صديق فلسطيني الجنسية يعيش في القاهرة, والده فلسطيني ووالدته مصرية, لم يحق له وللذين في مثل وضعه الحصول على الجنسية المصرية مثل باقي الذين حصلوا عليها لأن أمهاتهم مصريات, بسبب قرار من جامعة الدول العربية بمنع تجنيس الفلسطينين بأي جنسية عربية حفاظاً على الهوية الفلسطينية، هذا ماتقوله مصلحة الجوزات والجنسية برغم أن السفير محمد صبيح مندوب فلسطين بجامعة الدول العربية قد بعث بخطابين الأول إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى والثاني للسيد حبيب العدلي وزير الداخلية، يعلنهما بإلغاء هذه التوصية والتي لم تكن قراراً حيث أنه قد تجاوزها الزمن لأنها اتخذت عندما كانت فلسطين بلا كيان وهي الأن قد بنة كيانها الفلسطيني في الأمم المتحدة وأصبحت عضويتها كاملة لدى الجامعة العربية، إلا أن صديقي ومن مثله لم يحصلوا على الجنسية حتى الآن برغم مرور ست سنوات على قرار منح أبناء المصريات الجنسية، وبرغم أنهم ولدوا في مصر وعاشوا فيها ويتحدثون بلهجة أهلها ولا يعرفون شيئاً عن بلدهم سوى ما يرون من أخبار في الفضائيات وما يسمعون بالإذاعات, وفي إحدى المرات دار بيني وبين صديقي حوار، هل إن قدر وعادت فلسطين من جديد ستعود أنت وأهلك, فأجابني طبعاً لا..!, فسألته لماذا وهي أرضكم وبلدكم؟ فأجابني نحن أيضاً مصريون فمصر أرضنا وبلدنا، فأنا ولدت فيها ونشأت وترعرعت على أرضها وسأموت وأدفن فيها, هناك أشياء لا تفهمها لأنك ربما لاتشعر بها, إنها أشياء صغيرة نمر بها كل يوم ولكن قلما وقفنا عندها نتأملها أو نفكر فيها, إنني حين أخرج من بيتي كل صباح ترتفع الأيادي لتحيتي, صحيح أنني لا أعرف معظم أصحابها وهم أيضاً لا يعرفونني, لكن هذه الإبتسامات التي أراها على وجوههم والأيادي التي ترتفع وكل الصور التي تعودت أن أراها وشوارع القاهرة وأسواقها ومقاهيها وجلسات الأصدقاء تجعلني أشعر أني أعيش في بلدي, وأخشى أن افقد كل هذا إن تركت مصر.
هنا تأكدت فعلاًًً أن موطن الإنسان حيث يجد أناساً يحبونه ويحبهم, وبلده حيث يشعر بالسعادة لمجرد تحية عابرة تدل على أنه جزء من الكل, أما بلده الحقيقي الذي يحمل جنسيته فلا يعرف فيه أحداً يفتقده إذا غاب, فعلى مصر ألا تتخلى عن أبنائها الذين لم تنجبهم وهم يعتبرونها أمهم, عليها أن تمنحهم حق الجنسية, هذا الحق الذي أعطته للبعض من أبنائها ولم تعطه للباقين منهم, صحيح أنها حلت نصف المشكلة بمنح المواليد بدءاًً من عام 2004 الجنسية المصرية مباشرة, ولكن ماذا يفعل الذين ولدوا قبل هذا التاريخ؟.
ففي بعض الدول يحصل المواليد على جنسية البلد التي ولدوا فيها ، فمثال الرئيس الأمريكي باراك أوباما "بركة حسين أوباما" كيني الأصل حيث هاجر والده لأمريكا و تزوج بوالدته الأمريكية و أنجبته ونشأ و تعلم هناك وارتقى عدة مناصب وصولاً لسدة الحكم ، والرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي مجري الأصل حيث هاجر والده لفرنسا وتزوج بفرنسية هناك وأنجبه منها ، و وصل للحكم ، و أيضاً الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم سوري الأصل هاجر والده لهناك وـ ـ حتى وصل لمنصب الرئيس .
هناك أشياء صغيرة تشدنا إلى المكان الذي نشأنا فيه لكنها أكبر من أن نتخلى عنها.

قرار غير صائب

نشر في جريدة مصر القديمة وأخبار يوم بيوم
المطبخ هو قلب المنزل وهو أهم جزء فيه والبعض منا يقضي أكثر وقته فيه، فالبعض يحب أن تكون المطابخ مفتوحة بلا جدران فاصلة كي يكون متواصل مع من في المنزل حيث ممكن أن يكون مع الأصدقاء والضيوف وفي نفس الوقت في المطبخ، أو من منظور القدرة على إدارة كل شيء من حوله والنظر للأماكن المحيطة به، والبعض يحب أن يكون المطبخ مغلق لا يظهر ما فيه وما يدور بداخله وهذا النوع هو مثل مطبخ الحكومة والحزب الحاكم، لا أحد يستطيع أن يعلم ما يدور ويطبخ داخله فهو غرفة عمليات للقيادته المركزية تصنع فيه القرارات ثم تعرض على المجالس النيابية للتصويت عليها بالأغلبية حتى وإن كانت قراراتهم خاطئة وغير صائبة دون النظر للأقلية حتى وإن كانت هي ذات الرأي الصحيح والصائب، وإليكم هذا المثال: لو أن هناك مجموعة من الأطفال يلعبون على مسارين منفصلين لسكة حديد أحدهما معطل والآخر يعمل وكان هناك طفل واحد يلعب على المسار المعطل وباقي الأطفال يلعبون على المسار الغير معطل وأنتم تقفون بجوار محول اتجاه القطار ورأيتم القطار قادم وليس أمامكم إلا ثواني لتقرروا في أي مسار يمكنكم أن توجهوا القطار فإما أن تتركوا القطار يسير كما هو مقرر له ويقتل مجموعة الأطفال، أو تغيروا اتجاهه إلى المسار الآخر وتقتلوا طفل واحد، فأيهما تختاروا وما هي النتائج التي سوف تنعكس على هذا القرار؟
معظمنا يرى أنه من الأفضل التضحية بطفل واحد خير من التضحية بمجموعة الأطفال وهذا على أقل التقدير من الناحية العاطفية، فهل تروا هذا القرار صحيحاً؟
هل فكرنا أن الطفل الذي كان يلعب على المسار المعطل تعمد اللعب هناك حتى يتجنب مخاطر القطار ومع ذلك عليه أن يكون الضحية في مقابل أن الأطفال الأخرون الذين في سنه وهم مستهترون وغير مبالين هم الذين أصروا على اللعب في المسار العامل؟
هذه الفكرة سيطرت علينا في كل مجتمعنا وفي العمل وحتى في القرارات السياسية وأصبح يضحى بمصالح الأقلية مقابل الأغلبية بغض النظر عن قرارات الأغلبية حتى وإن كانت هذه الأكثرية غير صائبة والأقلية هي الصائبة، وهنا نقول أن القرار الصحيح ليس من العدل تغير مسار القطار وذلك للأسباب الأتية: أولاً الأطفال الذين يلعبون في مسار القطار الغير معطل يعرفون ذلك وسوف يهربون بمجرد سماعهم صوت القطار، ثانياً لو أنه تم تغيير مسار القطار فإن الطفل الذي يلعب في المسار المعطل سوف يموت بالتأكيد لأنه لن يتحرك من مكانه عندما يسمع صوت القطار لأنه يعتقد أن القطار لن يمر بهذا المسار كالعادة، ثالثاً انه من المحتمل أن المسار الآخر لم يترك هكذا إلا لأنه غير آمن وتغيير مسار القطار إلى هذا الإتجاه لن يقتل الطفل فقط بل سوف يؤدي بحياة الركاب إلى مخاطر، فبدلاً من انقاذ حياة مجموعة من الأطفال فقد يتحول الأمر لقتل مئات من الركاب بالإضافة إلى موت الطفل المحقق.
مع أننا على علم بأن حياتنا مليئة بالقرارات الصعبة التي يجب أن نتخذها لكننا قد لا ندرك أن القرار المتسرع عادةً ما يكون غير صائب، مثل الطبخ الذي يتسرع البعض لإنضاجه من داخل المطابخ المغلقة لا نجد له طعماً.