يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

الجبناء لا يرون إلا طواحين الهواء


نشرته بأخبار يوم بيوم

الثقة بالنفس شرط مهم لكل من يريد أن يتقدم إلى الأمام، والشجاعة هي ما تجعلنا نثق بأنفسنا فالشجاعة في عمقها مسألة علاقة بين المرء والآخر، بين المرء والمنطق، بين المرء والمستقبل.. فعندما يقوم شعب بثورة ضد الأستبداد فهذا يعني أنهم شجعان إذا ما قارناهم بشعوب أخرى يلقون نفس الظلم والاستبداد لكنهم صامتون، إذن هناك علاقة من خلال المقارنة بين الطرفين، وهذا ما هو إلا استدلال على كون الجبناء يُسهمون في إحباط الآخرين، كما قال الكاتب الإسباني ثيربانتيس في روايته "دون كيخوت" الجبناء لا يرون إلا طواحين الهواء في ما يراه الشجعان قضايا مهمة.     
أحياناً يتعلق الأمر بشيء أكبر من مجرد الثقة بالنفس، إنها الثقة والإيمان بفكرة أن الإنسان قادر على أن يكون واثقاً، ومن هنا يتدخل القانون القديم الذي حكم ويحكمنا نحن البشر، والذي بين لنا أن القوة الحقيقية ليست فقط قوة الجسد، بل هي أيضاً قوة معنوية وذهنية، هي قوة الإيمان والإرادة، والشجاعة هي الوجه الهجومي للثقة بالنفس، فالثقة بالنفس لا نراها أو نتحقق منها، لكنها تظهر وتكشف عن نفسها، حتى لو كشفت عن نفسها لصاحبها فقط في حالة تعرض شخص ما للتعذيب مثلاً، ربما يعتقد أن الثقة بالنفس ومع الآخرين انعدمت، لكن مع ذلك تبقى الشجاعة موجودة لديه وفي داخله لا تنكسر، فالشجاعة والثقة بالنفس يمكن أن تولد الواحدة منهما من الأخرى، وتكون إحداهما سبباً في إنتاج الأخرى، فهناك دائماً إمكانية إنتاج الشجاعة باستعمال ما هو محيط بنا، وتحت التعذيب، فعندما يكون هناك شجاعة لابد أن تكون هناك ثقة بالنفس حتى وإن اختلفت أشكالها، فقد تبلغ الشجاعة ببعض الأشخاص أن يعرض نفسه للخطر من أجل إنقاذ شخص آخر، مثالاً إما يجيد السباحة فيقفز في الماء، أو لا يجيدها ومع ذلك يقفز لإنقاذ شخص آخر، فهنا من لا يجيد السباحة يقفز لأنه يعلم في لا وعيه أنه لن يعيش سعيداً إن لم يقفز لمساعدة الآخر وأنه سيفقد معنى وجوده، لهذا يقرر أن يقفز فالشجاعة هي مسألة عطاء، والعطاء جزء من الخلود.
أحياناً يبحث المرء في داخله فلا يجد أي نوع من الثقة بالنفس، فاسترجاع الثقة بالنفس يتطلب معرفة عميقة بالذات، فعندما نصاب بحالة اكتئاب تؤثر على صحتنا الجسمية وليست فقط النفسية، وحينها تدخل شخص لمساعدتنا أمراً ضرورياً سواء كان الشخص طبيب أو صديق أو مقرب منا، لمساعدتنا على مواجهة تدهور صحتنا.
الثقة بالنفس والشجاعة فضيلتان لا يتصف بهما كل الناس، لكن من يجمع بينهما يكون محظوظاً لأنهما بمثابة مولد طاقة داخلي يزود صاحبه بالطاقة ويجعله يتقدم إلى الأمام ويبدع ولا يخاف الصعاب، بل يثبت وجوده وسط محيطه ويواجه الحياة في جميع المواقف والأزمات، فالإبداع ليس معناه أن نتحول لفنانين، بل إن الثقة بالنفس في حد ذاتها هي نوع من الإبداع، وليست مجرد غريزة وتمسك بالحياة، فكثيراً لا نشعر بحياتنا إلا بعد أن نقوم بعمل شجاع، فالشجاعة هنا هي الدينمو الذي يولد الطاقة بداخلنا، فالثقة بالنفس والشجاعة وجهان لعملة واحدة، مع ذلك فإن الثقة بالنفس ليست أمراً ضرورياً لعودة الشجاعة الضائعة إن غابت الشجاعة، ذلك أن الثقة بالأصدقاء والمقربين يمكن أن تحل محل الثقة بالنفس، وتكون طاقة ونوراً يساعدنا على أن نعثر من جديد على طريقنا نحو الثقة بالنفس، خاصةً إذا عرفنا أن الثقة بالنفس هي قيمة لا نكونها وحدنا، بل تتكون من خلال تفاعلنا مع الآخرين، لذلك على الثوار أن يكملوا طريقهم بكل ثقة بأنهم سينجحون.

كيف تتدمقرط؟



نشرته بجريدة زهرة التحرير وأخبار يوم بيو

إن ركزنا على الواقع الديمقراطي العربي والأسباب التي تدفع إلى تعثر المشروع الديمقراطي، فسنجد أن الفكرة المهمة التي نفتقدها تتمثل في إمكانية تحقيق وجود فعلي للديمقراطية في العالم العربي، ودراسة شروطها وكيفية ممارستها على أرض الواقع .
تقدم الديمقراطية أو تراجعها في العالم العربي في فترة زمنية مايتوقفان على تحليل سياقين معينين: الأول جدلية الهبوط والصعود بما يفسر التقدم النسبي للديمقراطية أو تراجعها في العالم العربي، والثاني دور العصبية القبلية.
غياب التفسير وتضخم دور العصبية القبلية يؤديان إلى عدم توافر الشروط المؤدية إلى قيام عقد اجتماعي بين المواطن والدولة، بسبب العصبية الدينية حيناً والعصبية القبلية حيناً آخر، يبدو هذا واضحًا إذا سلطنا الضوء على الانتخابات الحالية التي أعتبرها منقوصة لأنها لا تتأسس على قواعد العملية الديمقراطية الحقيقية التى تعترف بالمعارضة والرأي الآخر كشريك في السلطة، حيث إن أغلبية الأنظمة السياسية والطبقة الحاكمة في العالم العربي تستخدم مقدرات الدولة بهدف البقاء في الحكم ولا تعترف بالاختلاف السياسي.
إذن فالعقبات التي تقف في وجه بناء الديمقراطية في العالم العربي ومناقشة النظريات الغربية مثل (الفردية، ودور المجتمع المدني، وحيادية الدولة...) كمنطلقات غربية يسعى الغرب إلى فرضها على المجتمعات العربية، هذه العقبات تبدو واضحة تمامًا فى سلوك الفكر الاستشراقي الغربي الذي يتناول مفهوم الديمقراطية في العالم العربي من أجل إرساء قواعد جديدة في هذا الإطار، فالجهد الغربي المفروض على العالم العربي لم يؤدِّ إلى تأسيس الحكم الديمقراطي لأنه لا يأخذ في الاعتبار خصوصية الحالة العربية، ومثال على ذلك نموذج العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فالمحاولات الأمريكية التي سعت لتدشين الديمقراطية في العراق خصوصاً، وفي الشرق الأوسط عمومًا، تحت مسمى مبادرة الشرق الأوسط الجديد، لم تنتج ديمقراطيات حديثة، ما جعل الانتقال إلى الديمقراطية ظاهرياً وليس فعليًّا.
أما عن تقبل المجتمعات العربية للديمقراطية، أو بمعنى أدق كيف تتدمقرط دول العالم العربي من خلال الانتخابات التي توصف بالديمقراطية، فإنها للأسف عملية ديمقراطية في الشكل تخفي نوعاً من الديكتاتورية العميقة داخلها، خصوصاً أن الطبقة السياسية للأنظمة السابقة تعيد إنتاج نفسها، مستغلة أن جزءاً كبيراً من الجمهور العربي لا يملك الوعي الكافي في هذا المجال.

وحدهم اللصوص ينجحون



نشرته بأخبار يوم بيوم في يونيو 2012

أخشى أن يأتي زمان يمتحن فيه الجيل بمفهوم الكرامة والعروبة والوطنية والوطن، فتبقى خانات الإجابات فارغة.. أمام منزلي شجرة انحنت وماتت مائلة، حتى الشجر أمسى لا يموت واقفاً في زمن كسر الكثير من القامات، فأحياناً يأتي الحزن على غير ما نشتهي، فهناك من يصنعون الأحزان للبشر أكثر مما يصنعها القدر، وهناك من تكون مواقفهم كالفنار للسفن في ليلة مظلمة، نستهدي بهم إلى شط الأمان، وهناك من يحفرون في ذاكرتنا مواقفهم بيديهم، فتكون لهم الكهوف المحصنة في ذاكرتنا.

فكل ثوار يخربون ويأذون الغير يفقدون ثوريتهم وإنسانيتهم، وكل سلطة تقتل شعبها تفقد شرعيتها وإنسانيتها، فجميع السلطات تقوم باسم الإنسان ولأجله، ومتى حولت الإنسان إلى ضحية ومجرد عدد، سواء أكان في صناديق الاقتراع أم صفحات الموتى، فإنها تفقد الشرعية الإنسانية والأخلاقية، ولا يعود سلوكها مختلفاً عن أي إجرام آخر، فالشرفاء لا يجيدون الدخول من النوافذ وإن حاولوا يسقطون سريعاً، وحدهم اللصوص ينجحون.
الأحلام الآن تحترق ومصر كأنها امرأة مسنة تقترب من نهايتها، هذا ما أشعر به، فهل هكذا تشعرون؟ فحلمنا كثيراً ونحن في حالة جوع للفرح، فهل سيأتينا الفرح بعد أن نشبع من الحزن ويكون ليس بنا للفرح شهية، فبعض الواقع أكبر من قدرتنا على استقباله واستيعابه، فنغمض أعيننا عند مواجهته بقوة نفتحهما ونكرر، فهناك مرحلة تلي الألم تسمى مرحلة اللاتصديق، مرحلة نتمنى فيها تحويل الحزن إلى كابوس ليلة ينتهي باستيقاظنا في فراشنا، فعندما يترك أحدنا يد الآخر رافعاً راية الخذلان، يمضي الصافع باتجاه الغد ويمضي المصفوع باتجاه الأمس، فالأنقى يغادر الأطلال سريعاً.
والآن نكتب وحبر أقلامنا ممزوج بالدمع حزناً على شباب قدموا أرواحهم في سبيل حلمهم المشروع بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية، نبكي على ثورة كادت أن تكتمل لولا أطماع البعض وجريهم وراء السلطة، فلم نعطي صوتنا لمن قتل اخواننا ولم ولن يكون لمن تاجر بالدين.   
ما يميز الثائرون الحقيقيون عن سواهم هو مستوى وعيهم، في زمن تتراجع فيه لغة العقل وتتقدم لغة الغرائز والعصبيات، لا يملك الثائر الحقيقي سوى إعلاء شأن العقل، حتى لو كانت لغته هذه الأيام أقل  شعبية واستقطاباً من سواها، تبقى لغة العقل أشد فعلاً، حتى في مواجهة القتلة الذين لا يفرحهم شيء مثل فرحهم بجر خصومهم إلى ملعبهم ووسائلهم وأساليبهم الحقيرة والمدانة، من افتعال الفوضى والشرذمة والخراب، ومن هنا الرهان على الثوار أنهم سينتصروا للحرية.