يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

المرأة بين الاضطهاد والمبادرة

نشرته في جريدة اهالينا وأخبار يوم بيوم

بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي وافق 8 مارس ، يبدو أن الظروف مناسبة لفتح ملف المرأة في القانون بعد توصية الجمعية العمومية لمجلس الدولة بأن المرأة لا تصلح حالياً لتولي منصب قضاء المنصة ، حيث أن 317 قاضياً يرفضون تعين المرأة قاضياً للمنصة ، برغم أن أحكام مجلس الدولة منذ عام 1949 أكدت أنه لا توجد موانع دستورية أو شرعية تحول دون عمل المرأة في القضاء ، فبعد قرار مجلس الدولة تعلن مصر رسمياً وفاةً قاسم أمين .

إن ملف المرأة والقوانين الخاصة بها هو من أصعب ملفات الحقوق على مستوى عالمنا العربي و أكثره جدلاً ، و إن حق المرأة بتولي القضاء في رأيي و لن أكون مبالغاً هو فرض عين وليس فرض كفاية إذا كانت المتقدمات لشغله أفضل من الرجال ، صحيح أن الدولة أعطت المرأة حقوقاً كثيرة و عديدة و جعلتها تشارك في وضع أجندة الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية أفضل مما كانت عليه منذ سنين مرت ، إلا أن تلك الحقوق ليست إختيارية بل ملزمة للدولة ، فالنصوص القانونية وحدها ليست كافية على الرغم من كونها لازمة لضمان حصول المرأة على حقوقها ، فنحن نتفق على أن أهم الدروس التي تعلمها الإنسان في الحياة ومن خبراته أن لا شيء ساكناً حتى القانون و أن العديد من التشريعات تحمل وتحتمل مساحة واسعة من الإجتهاد والحراك والتطوير بما يتناسب مع التغيرات المجتمعية الحاصلة ، فالقضاء ربما لازال ينظر للمرأة على أنها ربة منزل فقط مع أنها الآن تشارك بفاعلية في دعم شتى مجالات الدولة ، فيجب تمكين المرأة من القيادة وإبراز التحديات التي تواجهها وسبل النجاح ، و في الوقت الراهن أصبح من الجدير بالأهمية إعادة فتح الباب أمام جميع الأطراف المعنية و الجهات ذات العلاقة والتخصص لإبداء آرائهم و ملاحظاتهم و إقتراحاتهم ، فهذه مسؤلية مشتركة يتقاسمها جميع أفراد المجتمع و مؤسساته فكل منا مطالب بالإسهام في ضوء ما لديه من رؤى و تجارب بداية من أهل التخصص مروراً بطلاب الجامعات وصولاً إلى المتقاضين ، حتى يعيد القضاء النظر في قضية المرأة و إعطاء المرأة الفرصة كي تطبق أفكارها و إجتهاداتها و الهدف تحقيق العدل فحيثما يكون العدل يجب أن يكون القانون ، ولنتذكر أن هناك سيدات كثيرات قدمن تضحيات بلا حدود في سبيل الحفاظ على المجتمع و حققن إنجازات و تحديات كلها صنعت نموذجاً يُحتذى به في عالم القيادات النسائية ، و لنتذكر أمير الشعراء أحمد شوقي إذ قال :
مصر تجدد مجدها بنساءها المتجددات
----- الناقرات من الجمود كأنه شبح الممات
و لنتذكر أيضاً قول شاعر النيل حافظ إبراهيم :

ليست نساءكم حلي و جواهرا
----- خوف الضياع تُصان في الأحقافِ
ليست نساءكم أثاثاً يُقتنى
----- في الدور بين مخادع و طباقِ
تتشكل الأزمات في أدوارها
----- و ولاءهن على الجمود بواقي

فعلى المرأة اليوم أن تعمل بجد للتواصل مع المجتمع أكثر و إظهار قدراتها و عدم الإكتفاء بالشعور بالزهو بما حققته والجلوس في إنتظار أن يأتي الأخرون إليها ، لذا يجب عليها أن تمتلك الثقة بنفسها و السعي إلى المناصب القيادية فمن يُقدم على المبادرة هو من يحصد النجاح ، و أي تقدم تحققه المرأة نحو المشاركة الكاملة في الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية مهما يكن بسيطاً هو خطوة نحو التنمية .

عابدين في الذاكرة

نشر في جريدة أهالينا

عندما كنت طفلاً كنت اعتقد أن الذكريات والأيام من عمرنا تمضي وتموت كالإنسان، لكنني حين كبرت ايقنت أنها لا تموت وأنها تعود للحياة بغمضة عين تستعرض أمامنا كل أحزاننا وأيامنا بسوادها وبياضها بحلوها ومرها، فالذكريات حين تنتهي لا تذهب ولا تغيب إنها تبقى بداخلنا تختبئ في اعماقنا بكل تفاصيلها فينعكس ذلك على وجوهنا، فإن كانت الذكريات سعيدة اتضحت ملامح الفرح على وجوهنا، وان كانت حزينة اصبح للحزن علامة في وجوهنا، هكذا هي الذاكرة تأتي بمن تشاء وقتما تشاء وحينما تشاء، ليس لنا منها إلا ان نبتسم على صورة او نكتئب من صورة او نتحسر احياناً، واحياناً نشكر الله ان الأمر وصل الى هنا فقط، وكم منهكة عملية إحصاء الذكريات والأيام وغبية عادة تمزيق الأوراق،

فنحن نحول ايام عمرنا الى مجموعة من الأوراق نسميها نتيجة، نبدأ في اليوم الأول من العام الجديد بتقطيع عمرنا ورقة تلو ورقة ونستعجل انتهاء الأوراق برغم تأكدنا ان كل ورقة نقطعها هي خطوة للنهاية، وكثيراً ما كانت بداية السنة الجديدة فرصة لجرد حساباتنا وتصفية ذاكرتنا من أشياء علقت بها من دون إرادتنا وأحداث نتمنى لو لم تحصل معنا أو لو نتمكن من نسيانها.
ففي حياة كل منا ذكرياته التي لا ينساها إما لأثر عميق تركته في أنفسنا وإما لسعادة عظيمة اقترنت بها وربما لألم اعظم، وفي حي عابدين كانت لي ذكريات جميلة كثيرة، حيث كان جدي رحمه الله يعمل موظفا في إحدى شركات البترول وكانت تقع في شارع محمد فريد، وكان جدي يأخذني معه لعمله كثيرا في فترة الإجازة وكان بعد انتهاء عمله، نمر على فرن سعيد عثمان لنشتري خبزه الشهي الطازج للغداء وقبل ان نتوجه للبيت كنا نمر محل عصير عم زكي بشارع الشيخ ريحان لنشرب عصير القصب اللذيذ ثم نتوجه للمنزل، حيث كان منزل جدي قريب من حي عابدين، وكثيرا ما كان جدي يخرج ليقابل اصحابه في المساء، فبعد ان يتناول الغداء وينام لساعة ينهض ويشرب الشاي ثم يخرج ليلتقي بأصحابه في مقهى موسى عطية بسوق الإثنين، واذكر كيف كان لكل واحد من اصحابه اغنية ارتبطت بذكرى عنده يحب ان يحتسيها مع فنجان القهوة أو كوب الشاي، وأتذكر صاحبها الحاج منعم الذي كان دائما يتناقش مع جدي في أمور كثيرة، بعضها تخص مشاكل أبناء الحي وكيف من الممكن حلها بمساعدة نائب الدائرة، وعند عودتنا للمنزل كنا نمر على مثلجات الربيع بباب اللوق لآكل أنا الأيس كريم ويشرب جدي عصير المانجو أو الفخفخينا، ثم يشتري للعشاء الفطائر اللذيذة من عند عم سليمان الفطاطري الذي أصبح محله الآن أبو حسام الكبابجي.
الآن وأنا أسير في شوارع عابدين أتذكر ذلك الماضي الجميل وأتمنى ان يجيء يوماً وأرى كل المشاكل التي يواجها أهالي حي عابدين قد انتهت، وجميع الخدمات اتيحت لهذا الحي على يد الأستاذ حسين أشرف، الذي أرى فيه كل الأمل والذي يتوسمون ويستشعرون بكل الخدمات والحلول التي ستتوفر إن شاء الله على يده، أبناء حي عابدين الذين يتذكرون مثلي ذكرياتهم الجميلة بين ربوع هذا الحي. الذاكرة إذن وإن استخدمناها لاسترجاع ما نريد، إلا انها تملك ما تريد ايضاً ولها ان تعيد لنا ما تناسيناه أو أننا نسيناه، فاللذاكرة حضورها البهي والشهي والذاكرة كائن حي يملك ما يريد ويُملي على الآخرين ما يريد أيضاً.

واهبات الحياة

نشر في موقع يلا تغيير وأخبار يوم بيوم
قال الله عز و جل "وقضى ربك آلا تعبدو إلا إياه و بالوالدين إحسانا"
اليوم نحتفل بواهبات الحياة على الدهر و صانعات التاريخ ، فخر الأنوثة التي حمت سر الوجود في هذا الكون ، و حفظت الإنسانية في هذه الدنيا ،
و حملت أجنة البشرية وهناً على وهن ، إنها الأم .
و معنى كلمة أم أي قصد أو مقصودة لأن الزوج والأبناء يؤمونها لحاجتهم إليها لما تهبه من الحب و العطاء ، فلديها يجتمعون ثم يتفرقون و لا محال إليها يرجعون لأنها المقصد الذي لا غنى عنه ، و من كلمة أم إنشق لفظ أمه أي جماعة لأن كل أم تخلق جماعة بكل معانيها العظيمة .

و صانا بهم الرسول الكريم "محمد صلى الله عليه و سلم" حيث قال "أحق الناس بإكرامه أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"، و حين جائه رجلاً يستأذنه في الخروج للجهاد سأله ألك أم ، قال نعم فأمره أن يرجع لها و يبرها و قال له إلزمها فإن الجنة تحت قدميها .
و السيد المسيح "عيسى عليه السلام" إهتم بأمه السيدة العذراء "مريم عليها السلام" فقد أوصى تلميذه يوحنا قائلاً له عن السيدة العذراء هوذا أمك ، كما قال "بإحتمال هفوات أمك تُجزى خيرا".
و في العهد القديم كانت الوصية الخامسة من الوصايا العشر التي أعطاها الله "لموسى عليه السلام"،"أكرم أباك و أمك لكي تطول أيام حياتك على الأرض"

و اليوم نحتفل بهن فمنهن الكثيرات نشئن في حضن النيل الأسمر الخَير ، بحثن عن لقمة العيش و جرين خلف قوت يومهن و مع ذلك على وجوههن إبتسامة صافية مشرقة يواجهن بها شراسة الأيام و غدر الزمان ، فمن منا لا يتذكر إبتسامة أمه التي تبثه أملاً و التي كانت زاده الصباحي الذي يجعله يمضي في طريقه مستبشراً بيومٍ جديد

و في الختام ، لقد كتبنا كثيراً في الأمومة و عنها و وضعنا الأم في أعلى المراتب و هي تستحق ذلك ، فعلينا آلا ننسا الأب و ما يمثله أيضاً من قيم سامية .