يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

الحاقدون


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي

قال علي بن أبي طالب: "المرء مخبوء تحت لسانه"

أي ما يقوله الإنسان إنما يعبر عما فيه قبل أن يعبرعما سواه سواء أكان القول جميل أم قبيح، حيث أن المرء يرى الدنيا ومن فيها من منظار نفسه، كما قال أحد الشعراء: كن جميلاً تر الوجود جميلا.

أقول ذلك لأن كثيرين للأسف يعتاشون على النميمة والثرثرة والتقليل من شأن الآخرين، فما أن يأتي أمامهم ذكر أحد، حتى يتكلمون عنه السوء ويصفونه به، ويحاولون البحث عن نقط ضعفه لإبرازها مقابل حجب نقط القوة، فهذا ما يفعله ضعفاء النفوس لا أغنياؤها، لأن غنى النفس يجعل صاحبها في مقام نبيل وسامٍ مترفع عن الصغائر والضغائن والأحقاد.

وكما قال أيضاً علي بن أبي طالب: "الغيبة جهد العاجز"

أي أن من يمارس الغيبة في حق الآخرين ويأتي في غيابهم عن ذكرهم بالسوء، إنما يجاهر ويفضح عجزه عن الإتيان بفعل يضاهي أفعال من يغتابهم وينم عليهم، فالغيبة جهد العاجز لأن القادر لا يُضيع جهده بالثرثرة والنميمة، بل يقوم بأعمال تشهد له أو عليه.

فإذا سمعنا أحد يذم أحداً آخر في غيابه، فالنعلم أنه سيذمنا في غيابنا، ولنحذر منه، وإن استمعنا مرغمون إليه، علينا أن نأخذ بما يقوله ونعمل عقلنا في كل كلمة، لأن الحسد يعمي البصر والبصيرة، والغيبة غالباً ما تكون نتاج حسد وغيرة، كما يقول ابن المعتز:

اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

وكما قال أستاذنا رجاء النقاش: من أصعب الأمور في هذه الدنيا وأقساها، أن يتعامل إنسان صاحب نية طيبة واضحة ومستقيمة، مع إنسان آخر صاحب نية سيئة غامضة وملتوية، فأصحاب النيات الحسنة يميلون إلى تصديق ما يسمعونه، ولا يفعلون شيئاً في الخفاء أو الظلام ولا تقبل نفوسهم أن يلعبوا بالحقائق أو يحاولوا تغييرها حتى تصبح الأمور سهلة أمامهم، أما أصحاب النيات السيئة، فهم يستمدون قوتهم وقدرتهم على تحقيق النجاح من الكذب والتلفيق والمناورة والاستهتار وبرود المشاعر في نفوسهم وقلوبهم، فهم من عشاق العمل في الظلام والطعن في الظهر والاحتيال والتآمر، فهم يعتمدون على زاد لا ينفد من الأخلاق السيئة والتي لا يخجل صاحبها من الاعتماد عليها مادامت تحقق له منفعته وتصل به لهدفه.

فهناك اناس لم يعرف النجاح طريقاً لهم، يتعالون على غيرهم، ينتقدون من هم أفضل منهم، يبحثون عن موضوعات أشبه بالفتنة ليسهموا في إشعالها، يمارسون دور القاضي والجلاد، ومتعتهم هي الإساءة للآخرين، ويتوهمون أنهم بكتابة مقال غاضب أو محرض يكونوا قد اتخذوا موقفاً إنسانياً وبطولياً، ويخيل إلينا من صراخهم أنهم يقفون على أبواب فلسطين وعلى وشك تحريرها، ولو بحثنا في مواقفهم لوجدناها مخجلة، فهم يعتقدون أن الثقافة والبطولة هو الشتم والتشهير والإساءة لأساتذة كبار هم قامة في الصحافة، فهؤلاء مثلهم كمثل صناع الإعلانات، يقولون ويشيرون في نهاية إعلانهم تطبق الشروط والأحكام، لكي يتجنبوا المساءلة القانونية حين يتبين زيف إعلانهم، ذلك لأن قلوبهم مليئة بالكره والبغض، فلهم ألسنة وأقلام يستهدفون بها كل شخص ناجح، يكيلون له النقد في تصرفاته ولا يقدمون الحل للمشكلات التي يعاني منها الحزب، فالذي لا يعجبه زيارة أو نشاط أحد لمحاولة النهوض بالحزب وتوفير الخدمات، يعتبرون ما يفعله منظرة وحباً في نشر صورهم، فهم لا يعرفون أصحاب القلوب العامرة بالحب والخير، الذين علينا أن نشجعهم ونشعرهم بقيمتهم، لأنهم أنقياء بالفطرة، لا يبتسمون من أجل مصلحة ويمتدحون من أجل مال، وإن لم يجدوا انفسهم في الصفوف الأولى للتنظيمات الحزبية، لا يقفون خلفها كي يعرقلون بصوت الباطل مسيرة الحزب، فهم يحزنون لحزن قياداتهم ويفرحون بفرحهم، فالحزب عندهم عائلة ممتدة من العامل حتى الرئيس، لا يستعرضون علمهم وثقافتهم بتتبع عورات جهل سواهم وأخلاقهم عندهم قبل علمهم، فهم لا يدسون ألسنتهم باسم الثقافة ولا يستعرضون عضلاتهم باسم السياسة، ولا يجيدون الخبث والكيد والدسائس وليس لمكر الثعالب في أخلاقهم أثر، ولا يجيدون استعمال الأقنعة، ولا يغرسون مخالبهم في جسد من وثق بهم، فهم لا يغضون البصر عن حاجة الضعيف ولا يتراقصون على بقايا انكساره، ولا يغلقون أبوابهم في وجه من أساء إليهم إذا ما ألقت به رياح الأيام يوماً على أبوابهم، فهم يكتبون برُقي ويناقشون ويختلفون برُقي، فمن ينتقدونهم هم مغرورون يعانون من الظمأ الإجتماعي ويحتاجون لجرعات من الحب والنشاط والنجاح، ليكون نقدهم هادفاً يؤدي لرسالة، فجميل أن يكون لدينا طموح، ولكن من المؤسف أن نفقد المقدرة.

حكايات الثورة المصرية بين محافظات الأردن


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي


هبطت بنا طائرة الملكية الأردنية "عالية" في مطار الملكة عالية الدولي، بعد رحلة استغرقة ساعة من القاهرة إلى عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، بدعوة من الحزب الشيوعي الأردني ومؤسسة نساء عربيات، لإلقاء محاضرات حول التحولات الديمقراطية في العالم العربي،"الثورة المصرية نموذجا" وحضور عدة فعاليات في المحافظات الأردنية "عمان ـ الكرك ـ مادبا ـ الزرقاء" وذلك ضمن احتفالات تلك المحفظات بنجاح الثورة المصرية.

وكان في استقبالنا مندوب من الحزب الشيوعي الأردني ومندوبة من مؤسسة نساء عربيات، الذين رافقونا إلى مقر إقامتنا "فندق جنيفا" وهناك كان في استقبالنا الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني منير حمارنة والسيدة ليلى نفاع ووفد من الشباب الأردني ( سعد ـ عمر ـ صهيب ـ نهاد ـ والزوجين عبد العزيز وفاتن ـ وعلى رأسهم الرفيق عبد الرحمن عطار الذي كان لا يتركنا إلا عند النوم).

وانتهى اليوم الأول لنا بعد أن سهرنا مع الشباب في أحد مطاعم عمان.

وفي اليوم الثاني خرجنا صباحاً بجولة في العاصمة عمان، وهي أكبر مدن المملكة من حيث المساحة والسكان فعدد سكانها 2 مليون نسمة، وتقع في وسط المملكة في منطقة تكثر فيها الجبال وتمتد فوق 20 جبلاً، والتي تُعتبر المركز التجاري والإداري للأردن وقلبه الاقتصادي والتعليمي، وعمان مدينة قديمة أقيمت على أنقاض مدينة عرفت باسم "ربة عمون" ثم "فيلادلفيا" ثم "عمان" اشتقاقاً من "ربة عمون" واتخذها العمونيون عاصمة لهم وقد أنشئت المدينة على سبعة تلال، وكانت مركزاً للمنطقة، يعود تاريخ المدينة إلى أكثر من 7000 سنة قبل الميلاد، ومرت عليها حضارات عديدة دلت عليها الآثار المنتشرة بأرجاء المدينة فالمدرج الروماني هو أحد الآثار المتبقية من عهد الرومان وجبل القلعة بآثاره المختلفة يدل على الحضارات الإغريقية والرومانية والعمونية والأموية.

وعمان إحدى عواصم بلاد الشام الأربع، والتي أصبحت عاصمة لإمارة شرق الأردن ومن ثم المملكة الأردنية الهاشمية بعد استقلالها في العام 1946عن بريطانيا.

يسكن عمان الحديثة مجموعة متنوعة من السكان من أصول مختلفة، منهم من أتى من فلسطين والقوقاز وسوريا والعراق ومن مختلف أنحاء الأردن،

وشهدت عمان الكبرى مؤخراً تطوراً كبيراً، حيث توسعت بشكل مدروس لم تشهده المدينة من قبل، ونالت خطة مدينة عمان الشمولية جوائز عالمية منها جائزة القيادة العالمية في تخطيط المدن وجائزة المدينة عن قارة آسيا لعام 2007 وانتهت جولتنا وذهبنا في الساعة السادسة لمجمع نقابات عمان حيث عقدنا أولى لقاءتنا في أكبر قاعات المجمع والذي حضره عدد غفير من المواطنين الأردنين إلى جانب عدد كبير من الجالية المصرية بالأردن.

الكرك

وفي اليوم الثالث اتجهنا لمدينة الكرك وكان في استقبالنا في مطعم قلعة الكرك وفد من أهالي الكرك الكرام والذين دعونا على الغداء لتناول المنسف وهو الطعام التي تشتهر به الأردن، ثم رافقنا مندوب عنهم بجولة في أرجاء القلعة وهو يروي لنا تاريخها، وكلمة كرخا في اللغة الآرامية لها علاقة لفظية لكلمة الكرك، وكرخا تعني المدينة المحصنة وهي صفة من أهم صفات هذه المدينة التاريخية، ومن أهم معالمها قلعة الكرك التي في الأصل معبداً للإله كموش وبناه الملك المؤابي ميشع لهذا الغرض، والكرك التي بناها المؤابين فتحها صلاح الدين وضمها إلى دولته، وتضم الكرك مقامات كل من الانبياء نوح والخضر ويوشع بن نون عليهم السلام، وموقع معركه مؤته واضرحة بعض الصحابه, ومدين أرض النبي شعيب.

والكرك هي المدينة التي قادة أحداث نيسان"ابريل"عام 1989 والتي ساهمت في أحداث التحول الديمقراطي في الأردن وتفعيل دور الأحزاب الأردنية وتفعيل دور النقابات المهنية، كما أنها كانت منطلق للأحداث في أعقاب ارتفاع الخبز عام 1996، كما ان الكرك كانت قائداً لحراك المعلمين عام 2010 ثم انتهت جولتنا التاريخية واتجهنا لمجمع النقابات لنعقد لقاءنا الثاني وكان حشد كبير جداً من الحضور.

البحر الميت

وفي اليوم الرابع خرجنا صباحاً إلى البحر الميت والذي كان يسمى قديماً “ببحيرة لوط”وهو بحيرة يعتبر سطحها أعمق نقطة في العالم على اليابسة حيث يقع على عمق 417 متر تحت سطح البحر ويقع ما بين الأردن وفلسطين، وقد أطلق عليه اسم "البحر الميت" بسبب عدم قدرة الكائنات الحية أو الاسماك على العيش فيه لكون مياهه شديدة الملوحة، فهي تقارب عشرة أضعاف ملوحة المحيطات، ويتغير هذا اعتماداً على العمق، كما لا تعيش فيه الكائنات الحيه بالرغم من وجود بعض أنواع البكتيريا والفطريات الدقيقة فيه، يبلغ طول البحر الميت 37 كيلومتراً وعرضه خمسة عشر كيلومتر، ويعتبر من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطاً في المنطقة حيث يقال أن الأملاح الموجودة به تشفي كثيراً من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة، وأيضاً يعتبر من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية وقد أقيمت الكثير من المنتجعات على شاطئه، وقد رشح ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات، ويهدد البحر الميت بالزوال بسبب انخفاض كميات الماء التي تصب فيه، حيث أن سحب المياه من نهر اليرموك ونهر الأردن من قبل إسرائيل والأردن، قلل بشكل حاد كميات المياه التي تصل إلى البحر الميت مما يهدده بالجفاف، ومن المشاريع المقترحة لإنقاذه مشروع شق قناة من البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط لتسييل المياه المالحة إلى البحر الميت، ولكن هذا المشروع مختلف عليه بسبب خشية الخبراء من تداعيات غير متوقعة قد تكون له على البيئة وعلى تركيبة مياه البحر الميت، وبسبب تكاليفه الهائلة، وتحيط به جبال عالية صعدنا أحدها بالسيارة وكان في أعلى قمته مطعم يطل على مناظر من أجمل المناظر الطبيعية حيث تناولنا فيه غداءنا قبل أن تنجه لمدينة مادبا.

مادبا

تقع إلى الجنوب من العاصمة عمان على بعد 30 كيلو متر تقريباً، وكلمة مادبا كلمة سريانية معناها "المكان الطيب" أو المياه الهادئة، مدينة جميلة جداً بأهلها و كنائسها و جوامعها و شوارعها، وفيها آثار عديدة، سياحية ودينية، وتشتهر بالقطع الفسيفسائية الجميلة، وتضم خارطةَ فسيفسائية تعود إلى القرن السادس تشمل القدس والأراضي المقدسة، تغطي خارطة الفسيفساء أرض كنيسة القديس جورج للروم الأورثوذكس، بنيت على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة جداً من القرن السادس، وعقدنا لقاءنا الثالث بقاعة إحدى الكنائس الكبيرة وحضره عدد كبير من أهالي مادبا، ثم دعونا للعشاء في مطعم اودينوس، ثم تناول الزميل خالد تليمة مكبر الصوت وبدأ يشدو بأغاني الفنان العظيم الراحل الشيخ إمام وأخذوا يرددونها معه حيث اكتشفنا أنهم يحفظون معظمها، وبعد انتهاء العشاء دعانا الرفيق ماجد حدادين لإكمال السهرة في بيته، ولبينا الدعوة التي سعدنا بها كثيراً حيث منزله التاريخي الجميل وأفراد أسرته أصحاب الذوق والأخلاق الكريمة.

جرش

وفي اليوم الخامس خرجنا صباحاً في جولة سياحية إلى جرش التي تبعد عن العاصمة عمان حوالي 48 كم وترتفع عن سطح البحر قرابة 600 م. يحدها من الجنوب عمان، ومن الغرب مدينة عجلون، ومن الشمال مدينة اربد ثاني اكبر المدن الأردنية، مرت فيها عصور اليونان والرومان ثم عصر الفتوحات الإسلامية، وغالبية سكانها من الشركس والأرمن.

ويعود تاريخ تأسيس المدينة إلى عهد الاسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد أو ما يعرف بالعصر اليوناني وكانت تسمى آنذاك"جراسا" في تحريف لاسمها السامي أو الكنعاني "جرشو"ومعناه مكان كثيف الاشجار، وتعتبر الآن من أفضل المدن الرومانية المحافظ عليها في العالم، ولقد بقيت المدينة مدفونة في التراب لقرون عديدة قبل أن يتم التنقيب عنها وإعادة إكتشافها منذ سبعين عام، وتكشف جرش عن مثال رائع للتطور المدني عند الرومان في الشرق الأوسط، وهي تتألف من شوارع معبدة ومعمدة، ومعابد عالية على رؤوس التلال ومسارح أنيقة وميادين وقصور، وحمامات وأسوار وأبراج وبوابات، بالإضافة إلى طابعها الخارجي اليوناني-الروماني.

البتراء

مدينة تاريخية تقع على بعد 225 كم جنوب العاصمة عمان إلى الغرب من الطريق الرئيسي الذي يصل بين عمان ومدينة العقبة، وتعتبر من أهم المواقع الأثرية في الأردن وفي العالم لعدم وجود مثيل لها في العالم، فازت مؤخراً بالمركز الثاني في المسابقة العالمية لعجائب الدنيا السبع، وهي عبارة عن مدينة كاملة منحوته في الصخر الوردي اللون ومن هنا جاء اسم بترا وتعني باللغه اليونانية الصخر، بناها الأنباط في عام 400 قبل الميلاد وجعلوها عاصمة لهم، وكانت أهم مدن مملكتهم التي دامت ما بين 400 ق م وحتى 106 م، وقد امتدت حدودها من ساحل عسقلان في فلسطين غرباً وحتى صحراء بلاد الشام شرقاً و من شمال دمشق وحتى البحر الاحمر جنوباً, وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون، الذي يضم قبر النبي هارون عليه السلام والينابيع السبعة التي ضرب موسى بعصاه الصخر فتفجرت.

أكتشف البتراء عام 1812 م المستشرق السويسري "يوهان لودفيج" وقد احتوى كتابه "رحلات في سوريا والديار المقدسة"الذي نشر عام 1828 على صور للبتراء، واختيرت البتراء بتاريخ7/7/2007 كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة .

الزرقاء

وبعد انتهاء جولتنا اتجهنا إلى الزرقاء وهي ثالث أكبر مدن الأردن وأهمها وهي تعتبر عاصمة الأردن الصناعية فتقع في شمال المملكة، بين محافظتي المفرق من الشمال والعاصمة عمان من الجنوب، وتتميز بقربها من محافظات عمان والبلقاء وجرش والمفرق، وتتميز بموقعها الجغرافي المتوسط بين مدن المملكة وعلى شبكة مواصلات دولية تربط الأردن بالدول المجاورة، وتمر من خلالها سكة حديد الحجاز التي تأسست عام 1900 م، وتتكون كلمة الزرقاء في اللغة الأكادية من مقطعين هما "زار"وتعني مياه و"كي" وتعني منطقة، وقد أطلقوها على النهر الكبير الذي كان يطلق عليه اسم "النهر العظيم"أو"نهر التماسيح"، فأخذت الزرقاء هذا الاسم من كلمتي "زار ـ كي" من اللغة الأكادية، والتي تعني "منطقة مياه"، ثم دخلت الكلمة في تطورات لفظية وكتابية من خلال تعرض منطقتنا إلى هجرات الأمم والشعوب كالأكاديين والأشوريين والفرس واليونايين والرومان والعرب والمسلمين والشركس، فتحولت الكلمة من "زار ــ كي" إلى "زارقي" إلى "زارقا" ثم إلى الزرقاء، والتي عقدنا أخر لقاءتنا فيها بمقر الحزب الشيوعي الأردني .

وطيلت مدة زيارتنا كنا نرى شبان مصريين في كل مكان، شبان تغربوا عن بلدهم وأهلهم، تفصلهم عنهم جبال وسهول، لكنها لا تستطيع مهما امتدت مساحتها أن تقطع بينهم، منهم من تغرب كي يجمع فقط تكاليف بناء دار له في قريته ويتزوج بمن يحب، وبعد ذلك هو على استعداد أن يعمل بأي عمل في مصر، التقينا بالكثير منهم وكنا نسألناهم إن كان الحنين لمصر يراودهم أم أن الغربة أنستهم بلادهم، فوجدناهم أكثر حنين منا، وأدركنا أن الفطرة تشد الإنسان لجذوره ومنبته، وأنه من لا ينتابه مثل هذا الحنين لا يكون منتمياً للوطن، ولكن لم يكن منهم واحد غير منتمٍ لبلده، فلكل يقدس مصر ويراها أجمل البلدان، ومن خلال تلك القاءات اكتشفت حرص الصديق خالد تليمة على الحديث معهم والتخفيف من متاعبهم وحثهم على العودة لمصر في أقرب وقت وعدم تأخير اجازتهم لمدة طويلة، كانوا ذو شوق جارف إلى شوارع مصر وأهلها المتزاحمين المتصارعين على لقمة العيش، شوق تعجز الكلمات عن وصفه، وقد كنا مثلهم فقد كنا نضيق من النظام ونحن للفوضى، ومللنا من الهدوء واشتقنا إلى الزحام والضجيج.

وفي اليوم السادس عدنا للقاهرة، بعد أن ودعنا جميع الرفاق وشكرناهم على كرمهم وحفاوة استقبالهم طالبين منهم زيارتنا بمصر في أقرب وقت،

فبعد ستة أيام من الإقامة بين أهل الأردن، لا يسعني القول إلا أنهم "نشامى"أهل كرم، فكل غريب عنهم هو محل ترحيب عند الجميع، ولم يكن حسن الوفادة والضيافة هو الأبرز فقط، فقد كانوا متابعين للثورة المصرية لحظة بالحظة، حيث وجدنا أنفسنا في جميع لقاءتنا أمام جمهور متعطش للثورة ومتطلع لها إلى أبعد الحدود، وما ينقص الأردن حقيقةً هو أن تأخذ مكانتها اللائقة على خارطة السياحة العربية، فهي غائبة رغم ما خصها الله من طبيعة متفردة ومناخ متميز.

رسالة إلى أمي

نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي

في ليلة شديدة البرودة، وأنا في سريري متدثراً بغطائي وفوقي النافذة، يجيئني منها صوت حبات المطر وهي ترتطم بها، دعوت الله أن يجعلها سقيا رحمة ولا يجعلها سقيا بلاء، وأن يسقينا الغيث ولا يجعلنا من القانطين.

إنها ليلة عيد الأم، الكل يحتفل ويقدم هديته فاسترجعت ذاكرتي وأمسكت بقلمي وتناولت ورقي وكتبت: رسالة إلى أمي.

أقف أمام صندوق محمول على الأكتاف ويُمضى به، وتمضي معه آمالي، لو أمكنني أن أبقيه لفعلت، فهو يحوي داخله إنسانة أحببتها وأحبتني، وكل ذكرياتي والباقي من سنوات عمري، فكيف سأعيش دونها.

الموكب يغادر ولا أستطيع أن ألحق به، سيعود الصندوق ولكنك أنتِ لن تعودي، أرى الموكب يبتعد ومعه قلبي الذي أسمعه يصرخ مستغيثاً يود أن يقفز ويأتي إلي أو أن أذهب أنا إليه، وبدء الموكب يغيب وغابت معه نبضات قلبي، وجفت دموع عيني، فمن اليوم سأكون وحيداً.

ها هي أعواماً طويلة مضت على يوم رحيلك ولا أزال أذكر ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي رأيتهم يضعونك داخل صندوق ثم مضوا بك، وأقبل الناس يقدمون واجب العزاء لجدي، وارتسم سيما الحزن على وجوههم واكتأبوا لمصيبته، لكنهم بعد ساعات انفضوا عنه كلٌ إلى شأنه، حتى الأقارب بكوا وتباكوا وسالت ألسنتهم بعبارات الحزن وعادوا إلى مشاغلهم، وأصبحتِ مجرد ذكرى لكني لم أنسكِ يوماً، ثيابك التي كنتِ تلبسينها ومقتنياتك لم أعد أراها أو أعلم عنها شيئاً، كنت أسأل جدي عنكِ فيقول لي سافرت وعندما ترجع ستحضر لك ألعاباً كثيرة، ولقد تركت لك هدية جميلة هي أختك الصغيرة.

جدي رحمه الله لم يكن يعلم أنني أفهم أنكِ رحلتِ، كم أنا مشتاق إليكِ، كم أنا بحاجة لأن أرمي بنفسي بين أحضانك، نعم حولي بعض من حاولوا أن يعوضونني عنكِ، لكن لن يستطيع أحد أن يعوضني عنكِ.

اليوم عيدك وعيد كل الأمهات، والكل يقدم هداياه ولا أجد أجمل وأعظم من سورة"يس"أقدمها لكِ، وكم مثلي الكثير سيفعلون ذلك، إعلمي أنني لن أنسكِ يوماً وأكبر دليل عل ذلك ما أهبه لك من ثواب في كل خاتمة لكتاب الله عز وجل.

لا أعلم إن كنت أحادث وهماً جسدته في خيالي، أم هل أحادث حقيقة تراني ولا أراها وتدركني ولا أدركها، لعل الأموات ينطلقون في أنحاء الكون أكثر مما ننطلق نحن الذين أثقلتنا هياكل أجسادنا، ولعل من نطلق عليهم بالأموات يرون أجسامنا مقابر جسمانية حابسة لروحنا داخلها، فيدعون لها بانبعاث قريب إلى عالمهم عالم الأحياء في نظرهم، كان الموت في عيني شبحاً رهيباً لكنه اليوم شيء جميل، كان صحراء قاحلة لكنه اليوم بستان رائع، هذا هو حالي بعدك يا أمي، أوقن الآن أنكِ من الغدر والأنانية فررت، وما أكثرها الآن.

وفي النهاية لا أجد ما أقوله سوى رحمك الله، اقبلي رسالتي التي كتبتها بطريقتي في عالمي، واستلميها بطريقتك في عالمك، وفي يوم ما سنلتقي وأدخل إليكِ من الباب الذي سبقتيني إليه.

(هذا المقال من نص رسالة إلى أمي من كتابي رسائل شرقية الذي نشرته لي مكتبة مدبولي عام 2006).

المرأة في المواثيق الدولية


نشرته في أخبار يوم بيوم وموقع اتحاد الشباب التقدمي


عانت المرأة لفترة طويلة بقاءها في الظل على مستوى الوظائف القيادية، ووصولها إلى أعلى مناصب في الدولة من الوزارة إلى البرلمان، دفع الكثيرات إلى التفكير المشروع في تقلد المناصب العليا، على الرغم من محدوديتها متحصنات بالشهادات والدورات والإلتزام الوظيفي وساعات العمل، والمرأة والحق يقال أثبتت كفاءتها في هذا المجال بعد أن كانت مهنة المدرسة من أكبر طموحاتها.

هناك الكثير من المواثيق الدولية تتفاوت مسمياتها بين اتفاقية و نظام اساسي و برتوكول و ميثاق دولي، جميعها تتحدث عن حقوق المرأة، و هذه المواثيق على اختلاف توجهاتها تتفق صياغتها و سياقها العام على المساواة بين الرجل و المرأة، فمن الجميل أن نستفيد و نسترشد بالمواثيق الدولية ومن الناتج الفكري العالمي بإعتبار أن مصر جزء لا يتجزأ من العالم، و بشرط آلا يتعارض ذلك مع تعاليم الأديان السماوية و مواد الدستور في مصر، و القوانين في معظم الدول العربية أصبحت تتعامل في بعض جوانبها مع مفردات الإتفاقيات و المعاهدات الدولية و ما يتعلق تحديداً بقوانين المرأة، برغم أنه كانت هناك مؤتمرات كثيرة قد تركت بصمات واضحة على كثير من القوانين و التشريعات التي صدرت لاحقاً في كثير من دول العالم، منها مؤتمر التنمية و السكان الذي عقد بالقاهرة عام 1994 و القمة الإجتماعية التي عقدت في كوبنهاجن بالدنمارك عام 1995، و قمة الأرض التي عقدت بريودي جاينرو بالبرازيل عام 1996، و من أهم الإتفاقيلت التي تناولت موضوع حقوق المرأة بشكل دقيق و مفصل هي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1997 و وقعت عليها أكثر من 150 دولة منها مصر، حيث أن المبادىء العامة و الموجهات الفكرية الرئيسية لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمببز ضد المرأة إنطلقت من مفهوم حديث بدأ يطرح نفسه مؤخراً بشكل قوي و هو مفهوم "الجندر" الذي يُقصد به ثقافة النوع الإجتماعي و المساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق و الواجبات، و اعتبرت أن التمييز ضد المرأة يعد إنتهاكاً صريحاً لمبدأ المساواة في الحقوق و لكرامة المرأة، حيث نصت الإتفاقية على ضرورة كفالة حقوق متساوية للمرأة في المجالات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية، و الحق في الحصول على التعليم و تقلد الوظائف العامة من دون أي تمييز، و ضرورة العمل على رفع الظلم و القيود المفروضة عليها بسبب النوع و الجنس و عدم التمييز في الأجر و ضمان الأمن الوظيفي في حالة الزواج و الولادة في نطاق الحياة الزوجية، فنتمنى أن يجري العمل بكل بنود هذه الإتفاقيات و ليس بعضها.