يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

النرجسيون

نشرته بموقع ابن البلد

الصمت نعمة، وللصمت معنى مختلف يشمل جميع المفردات التي تعبر عنها الأفواه وينطق بها اللسان، كثير من الأحيان تواجهنا شريحة من بعض الأشخاص، متطفلة تستهزىء بظرافة ولسان حالها، يتحدثون من غير تثمين المعنى والمفردة، يعبرون بإنشاءات سطحية وسخيفة، وتقتصر اهتماماتهم على أنفسهم ولا يشعرون بالآخرين وكأنهم غير موجودين، يكسون الشدة الطيب ليكسبوا منافعاً، وعند الرخاء واللين يكتسون الريبة وينكرون الجميل، كالحرباء التي يتغير ويتبدل لونها كل حين، فهم يجبروننا على أن نؤمن إيماناً تاماً بأن لا أحد يستحق بياض قلوبنا، ولا يستحقون أن نستهلك بياضها في سبيل إرضائهم، لأنهم حتى لو قدمنا لهم عيوننا فسيتهموننا بأنا ألصقنا أعيننا بهم فقط كي نتجسس عليهم.

فحب النفس الذي لا يبالي بالغير، مرض نفسي في تراكمات جرعات الحقد وحقن الكراهية، فهناك أشخاص عندما يشعرون بقلة وضعف أنفسهم وعدم قدرتهم على كسب الطموح، يسعون ويبادرون إلى تحطيم كل ماحولهم معنوياً وجسدياً ليكونوا هم الأفضل، فيروس النفس والأنانية مرض من الأمراض المزمنة التي يصعب علاجها، فكلنا نعرف الأنانيون الذين لا يحبون إلا أنفسهم، ونعرف طبعاً قصة زهرة النرجس في الأساطير اليونانية، والتي من اسمها أخذ لفظ "نرجسي" للغة العربية، وتعني الذي لايحب إلا نفسه، ولا أقول أن الأناني هو من يحب نفسه، بل أقول الذي لا يحب إلا نفسه، لأن حب النفس أمر مطلوب ومهم، ويجب على كل إنسان أن يحب نفسه ولكن عليه أيضاً أن يحب الآخرين معه.

والأنانية في الحياة السياسية قرينة تتصل ببعض الأشخاص، سماتها مصلحتهم الشخصية بالمعنى الضيق، أي لا همَ له إلى اقتناص الفرص وتشويه أي شخص كان جاد، أو كل مخلص لحقائق علمية أو اجتماعية أو انسانية، وأيضاً من سماتهم الادعاء كذباً على من يخالفهم خصالهم الرديئة، أو يتوهمون ويبالغون في امكانياتهم الشخصية لحد الكذب، ومن صفاتهم أيضاً أنهم منافقون لا يظهرون قدرتهم إلا في ظل أسيادهم، وهناك مثل شعبي يقول: "كالجوارب لا تظهر قيمتها إلا في أرجل من يلبسونها" فيترعرعون بين الطحالب والأعشاب المتسلقة التي من بني طينتهم، ويمكن أن يعقدون معهم حلفاً لتحقيق الأهداف المشتركة، ولوضع استراتيجية في إقصاء الأعداء والقضاء عليهم بشتى الوسائل من الوشاية حتى الشائعة، والأعداء هم جميع من ليسوا في حلفهم، ويموتون من نجاح الآخرين ويشتاطون غيظاً وكمداً حين يمدح شخص ما أعداءهم، والغريب في الأمر أنه لم يكن لهم أعداء سوى نظام راحل، ومن بعده خلقوا أعداءهم بأنفسهم لأنفسهم، وبدأوا في محاربتهم وهم سيخسرون في النهاية، فهذه النوعية من النرجسيون الحاقدون، لا يحرقون ويدمرون إلا أنفسهم.

وظاهرة النرجسيون هي ظاهرة عالمية وزمانية، حيث نراهم في كل مكان وزمان، فحب الذات يخدعهم ويعمي أبصارهم، والأنانية سراب الضعفاء، وكذلك نصف المصائب من صنع الأنانيون، فقد قال بسمارك "الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، والذل يولد زوال الدولة والنعمة وهلاك الأمة"

ومن بعض الأقوال عن النرجسيون الأنانيون:

حاربوا أنفسكم وحاربوا الأنانية.

الأنانية كريح الصحراء تجفف كل شيء.

تولد السعادة من حب الغير، ويولد الشقاء من حب الذات.

لن نعيش في جلباب غبي

نشرته بأخبار يوم بيوم

عندما تتحول الحياة في أعيننا إلى مجرد مسرحية نتابعها من منصة الجمهور فنحن نكون قد خرجنا من نطاق الحياة تماماً واكتفينا بالمتابعة في انتظار المشهد الأخير واسدال الستار، فالبعض أصبح كل شيء مباح لديهم من غدر وغش ما دام يخدم مصالحهم، وهذه النوعية هم الظلاميون يشوهون كل ما هو حر وخلاق، وخارج عن سرب التفاهة والنفاق والازدواجية، يطلقون حملات التشويه والتنكيل لتدمير الحرية، يدافعون عن العفة والقيم والعفة والقيم منهم براء، ملوحين بحجة حماية الدين والعادات والتقاليد، ولا يعرفون من الشرف والكرامة والأخلاق سوى ما هو ظاهر منها، هم سارقو الثورة وحريتنا المدنية، سارقو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، هم مشوهو وقاتلو المستقبل والمدنية، قادرون على التلون وكسب مؤيدين يسيرون في ركابهم، وإن لم يطلهم من الخير وإن كان خيراً سوى الفتات.

"اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" كل الأحداث تنبىء باقتراب الحساب ومع هذا مازلنا نمر عليها ونعرض، سامح الله البعض على ما اختاروا، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم وقد كانوا الشر الذي أحببه البعض، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وسيكونوا فراقهم الخير الذي كرهوه، فنحن على يقين بأنهم لا يملكون مفاتيح الجنة ولا تصريح دخولها، لأننا على يقين أننا نملك من حُسن الظن بالله ما يخولنا لدخولها.

فهل ترون الثورة قد غيرت شيئاً في بعض الدول العربية التي اجتاحها الربيع العربي؟ بالنسبة لي المشهد لا يزال متشابهاً إنما الأمل في الغد كبير، لكن بقايا النظام يهددون أحلام ثورتنا بقولهم فيما بينهم بأن أحلامنا في "المشمش" والدليل على ذلك بأن المجلس العسكري يرسم لنا مواسم المشمش كعصا سحرية تبث روح الممكن في جسد المستحيل، تُرى متى سيأتي موسم المشمش كي نحقق فيه كل أحلام ثورتنا التي قالوا إنها لن تتحقق إلا في المشمش.

أصبحنا نحتاج إلى ميكروسكوب دقيق كي نتمكن من رؤية الأرواح القديمة بأحجامها الجديدة، فلم يعد الكون ذلك الشيء الضخم، تضاءل كثيراً وأصبح الكثير من عمالقة السياسة والدين والفن أقزاماً، ففي زمن مستجد لم تتضح ملامحه بعد، هناك خشية كبرى من استبدال القمع السياسي بقمع فكري واجتماعي، الأمر الذي لا يهدد فقط الوافدين إلى كراسي السلطة بخسارة مواقعهم سريعاً، لأن الشعب لن يصبر عليهم ثلاثين عاماً جديدة، ولأن الجميع بات يدرك الطريق إلى الميدان، بل يهدد بإغراق البلاد والجميع بانشطارات وتصدعات تعيدنا أسوأ مما كنا ومما ثرنا ضده وعليه، ما نريده مساحة واسعة من الحرية الراقية، لأن نهضة الشعوب تبدأ بالحرية، ومن حق الجميع التفكير والتعبير والتنوع، لأن الأحادية والهيمنة مثل الفردانية وحكم الشخص الواحد.

فالذي يدخل من الباب يستحيل أن يخرج من النافذة إلا إذا كان دخوله من الباب بحثاً عن نافذة ما وغالباً ما يرحل صغيراً، والذي يدخل من النافذة يستحيل أن يخرج من الباب إلا إذا كان دخوله من النافذة بحثاً عن باب ما، وغالباً ما يرحل كبيراً، فهناك اناس في النظرة الأولى إليهم نراهم طويلي القامة، نراهم عمالقة ذو هيبة وحضور، وحين يغيبون عنا نرفع رؤوسنا عالياً كي نبحث عنهم في السماء، وعند النظرة الأخيرة إليهم تتغير كل المقاييس، فنراهم قصيري القامة وربما أقزاماً يبحثون في غابات الحياة عن بياض الثلج، وحين نفتقدهم نخفض رؤسنا كثيراً لكي نبحث عنهم، ونندهش كيف غادرونا وهم أقصر قامة، وأي قدرة على التلاعب بالأحجام فنراهم قبل الفراق أكبر مما يجب، ونراهم بعد الفراق أقصر مما يجب.

فهل شعر المجلس العسكري بعد ادعائه بالانحياز للثوار بمرارة الثورة، وهل أصابت فيه أشياء في مقتل؟ وهل مر عليه من إقصاء البعض عن وجودهم في لجنة وضع الدستور الجديد وما يحصل للمعتصمين من ضرب وسحل وإهانة وقتل وتبرئة متهمين ثبت ادانتهم مرور الكرام؟ تماماً كما تمر الكثير من المواقف والعبارات على الجاني مرور الكرام؟ فالقاتل آخر من يتسع وقته للإنصات إلى صوت الضحية، والقاتل آخر من يسمع صوت الضحية وآخر من يمنح حق الكلمة الأخيرة لها، فالتاريخ لا ينصف الضحايا كثيراً، فهو يسجل اسم الجاني وتتناقله الأجيال كصك خلود دنيوي، بينما لا يتوقف التاريخ كثيراً لذكر اسم الضحية، فكم من وفي مات ولم يذكره التاريخ، وكم من خائن كُتب له في التاريخ بعد مماته حياة أخرى، فلماذا يكون التاريخ أحياناً أشد وفاءً للخائن منه للمخلص!

فإلى من يجلسون على عرش المجلس العسكري: الأخلاق صفة تلازم أي ثائر، فلا تحولوا الثوار إلى سفاحين لا فرق بينهم وبين البلطجية، ولا تكونوا عوناً لأحد في إقصاء أحد، وإن اللبيب هو من يملك نظرة بعيدة، وإن الأمور بخواتمها، فهل دام عرش غير عرش الله سبحانه وتعالى؟

أما أنتم يا شركاء مجلس الـ 19 وأصدقاءهم اليوم، لا تقلقوا على أحذيتكم عند الوداع كثيراً، فالذئاب لا تنتعل الأحذية، وما عاد أحد يرحل بخُفي حنين، سترحلون حتى وإن كان في حوزتكم الكثير من أحلامنا والكثير من أماننا والكثير من ثقتنا بالآخرين.

فكما يقول تشالز ديكنز"نحن نقوم بصناعة الأغلال التي نرتديهاهناك أيضاً قولاً للكاتب محمد الماغوط "التشاؤم الصادق خير من التفاؤل الكاذب، كما أنه كلما اشتد اللون الأسود في حياتنا علينا أن نتفاءل أكثر، أتدرون لماذا؟ لأن القادم هو الفجر".

ملاحظة: اقتبست عنوان مقالي من عنوان مقال للكاتب الأردني الدكتور محمد حباشنة.