يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

الحاقدون


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي

قال علي بن أبي طالب: "المرء مخبوء تحت لسانه"

أي ما يقوله الإنسان إنما يعبر عما فيه قبل أن يعبرعما سواه سواء أكان القول جميل أم قبيح، حيث أن المرء يرى الدنيا ومن فيها من منظار نفسه، كما قال أحد الشعراء: كن جميلاً تر الوجود جميلا.

أقول ذلك لأن كثيرين للأسف يعتاشون على النميمة والثرثرة والتقليل من شأن الآخرين، فما أن يأتي أمامهم ذكر أحد، حتى يتكلمون عنه السوء ويصفونه به، ويحاولون البحث عن نقط ضعفه لإبرازها مقابل حجب نقط القوة، فهذا ما يفعله ضعفاء النفوس لا أغنياؤها، لأن غنى النفس يجعل صاحبها في مقام نبيل وسامٍ مترفع عن الصغائر والضغائن والأحقاد.

وكما قال أيضاً علي بن أبي طالب: "الغيبة جهد العاجز"

أي أن من يمارس الغيبة في حق الآخرين ويأتي في غيابهم عن ذكرهم بالسوء، إنما يجاهر ويفضح عجزه عن الإتيان بفعل يضاهي أفعال من يغتابهم وينم عليهم، فالغيبة جهد العاجز لأن القادر لا يُضيع جهده بالثرثرة والنميمة، بل يقوم بأعمال تشهد له أو عليه.

فإذا سمعنا أحد يذم أحداً آخر في غيابه، فالنعلم أنه سيذمنا في غيابنا، ولنحذر منه، وإن استمعنا مرغمون إليه، علينا أن نأخذ بما يقوله ونعمل عقلنا في كل كلمة، لأن الحسد يعمي البصر والبصيرة، والغيبة غالباً ما تكون نتاج حسد وغيرة، كما يقول ابن المعتز:

اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

وكما قال أستاذنا رجاء النقاش: من أصعب الأمور في هذه الدنيا وأقساها، أن يتعامل إنسان صاحب نية طيبة واضحة ومستقيمة، مع إنسان آخر صاحب نية سيئة غامضة وملتوية، فأصحاب النيات الحسنة يميلون إلى تصديق ما يسمعونه، ولا يفعلون شيئاً في الخفاء أو الظلام ولا تقبل نفوسهم أن يلعبوا بالحقائق أو يحاولوا تغييرها حتى تصبح الأمور سهلة أمامهم، أما أصحاب النيات السيئة، فهم يستمدون قوتهم وقدرتهم على تحقيق النجاح من الكذب والتلفيق والمناورة والاستهتار وبرود المشاعر في نفوسهم وقلوبهم، فهم من عشاق العمل في الظلام والطعن في الظهر والاحتيال والتآمر، فهم يعتمدون على زاد لا ينفد من الأخلاق السيئة والتي لا يخجل صاحبها من الاعتماد عليها مادامت تحقق له منفعته وتصل به لهدفه.

فهناك اناس لم يعرف النجاح طريقاً لهم، يتعالون على غيرهم، ينتقدون من هم أفضل منهم، يبحثون عن موضوعات أشبه بالفتنة ليسهموا في إشعالها، يمارسون دور القاضي والجلاد، ومتعتهم هي الإساءة للآخرين، ويتوهمون أنهم بكتابة مقال غاضب أو محرض يكونوا قد اتخذوا موقفاً إنسانياً وبطولياً، ويخيل إلينا من صراخهم أنهم يقفون على أبواب فلسطين وعلى وشك تحريرها، ولو بحثنا في مواقفهم لوجدناها مخجلة، فهم يعتقدون أن الثقافة والبطولة هو الشتم والتشهير والإساءة لأساتذة كبار هم قامة في الصحافة، فهؤلاء مثلهم كمثل صناع الإعلانات، يقولون ويشيرون في نهاية إعلانهم تطبق الشروط والأحكام، لكي يتجنبوا المساءلة القانونية حين يتبين زيف إعلانهم، ذلك لأن قلوبهم مليئة بالكره والبغض، فلهم ألسنة وأقلام يستهدفون بها كل شخص ناجح، يكيلون له النقد في تصرفاته ولا يقدمون الحل للمشكلات التي يعاني منها الحزب، فالذي لا يعجبه زيارة أو نشاط أحد لمحاولة النهوض بالحزب وتوفير الخدمات، يعتبرون ما يفعله منظرة وحباً في نشر صورهم، فهم لا يعرفون أصحاب القلوب العامرة بالحب والخير، الذين علينا أن نشجعهم ونشعرهم بقيمتهم، لأنهم أنقياء بالفطرة، لا يبتسمون من أجل مصلحة ويمتدحون من أجل مال، وإن لم يجدوا انفسهم في الصفوف الأولى للتنظيمات الحزبية، لا يقفون خلفها كي يعرقلون بصوت الباطل مسيرة الحزب، فهم يحزنون لحزن قياداتهم ويفرحون بفرحهم، فالحزب عندهم عائلة ممتدة من العامل حتى الرئيس، لا يستعرضون علمهم وثقافتهم بتتبع عورات جهل سواهم وأخلاقهم عندهم قبل علمهم، فهم لا يدسون ألسنتهم باسم الثقافة ولا يستعرضون عضلاتهم باسم السياسة، ولا يجيدون الخبث والكيد والدسائس وليس لمكر الثعالب في أخلاقهم أثر، ولا يجيدون استعمال الأقنعة، ولا يغرسون مخالبهم في جسد من وثق بهم، فهم لا يغضون البصر عن حاجة الضعيف ولا يتراقصون على بقايا انكساره، ولا يغلقون أبوابهم في وجه من أساء إليهم إذا ما ألقت به رياح الأيام يوماً على أبوابهم، فهم يكتبون برُقي ويناقشون ويختلفون برُقي، فمن ينتقدونهم هم مغرورون يعانون من الظمأ الإجتماعي ويحتاجون لجرعات من الحب والنشاط والنجاح، ليكون نقدهم هادفاً يؤدي لرسالة، فجميل أن يكون لدينا طموح، ولكن من المؤسف أن نفقد المقدرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق