كل أصدقائي كبروا إلا أنا! هل يُداخلكم هذا الشعور؟ فتشاهدون الزمن على وجوه أصدقائكم بوضوح أشد مما هو على وجوهكم! تُرى هل تخدعنا أعيننا أم تُجنبنا صدمةً ما؟
زففت أصدقائي إلى بنات أحلامهم صديق صديق،
وحملت أبناءهم بين يدي، وبقيت على وعدي لها لكن كان بالنسبة لها ككلمات من هواء
كتبت في الفضاء ليس لها صوت ولا صورة ولا وطن.
بي من الحنين ما يجعلني أفكر في طرق باب
فيروز، أو زيارة قبر نزار قباني، أو التجول في شوارع القاهرة أيام أفلام الأبيض
والأسود حيث كان عبد الحليم يوماً،
فقد أكسبني رحيلها عادة سيئة وأورثني وسوسة
مقلقة، فمنذ أن رحلت وأنا أبحث في كل شيء مغلق أراه أمامي علني أجدها في داخله،
وأعبث في الرماد علني أعثر على قطعة نار أعيد بها إشعال الحكاية معها لكنها أطفأت
كل ناري وتركتني لبرد العمر ولم تخلف لي سوى الرماد الذي ملأ فم الحكاية وعينيها،
صنعت لها من جلدي معطفاً يقيها برد العمر، فمضيت بالمعطف وتركتني لبرد الطريق
مكشوف الجلد، فيا ترى أمازال معطفي يمنحها الدفء.
عندما كنت أختلق الأحاديث كي تطيل البقاء
أمامي أنا لم أكن أراهق، انما كنت أجاهد كي يقف الزمن في حضرتها، طال غيابها
والأماكن التي كانت تشتاق إليها تعدت الشوق بمراحل وأمست كلها تبكي عليها،
الآن أقف على النيل أتأمله، النيل الذي يتسع
صدره لكل الأحزان، كم من الأرواح قذفت في مياه هذا النهر أحزانها دون أن تدري، وها
أنذا أقذف آهاتي فيه، بعد أن انتحرت بداخلي كل أسباب الحياة.
لم يأخذها النيل مني، لكني عشت عمري كله في
انتظار أن يعيدها إلي ولا أعلم لماذا حملته وزر غيابها، فوقفت على شاطئه في انتظار
زورقها سنوات طويلة، ظهر العمر على وجهي وزورقها لم يظهر.
منذ سنوات وأنا أقف على الكورنيش وألمح الزورق من بعيد لكنه لا يقترب أبداً، أيكون للنيل سراب كسراب الطريق؟
منذ أيام تقابانا صدفة فنظرت لطفلتها، رأيتها
تدقق النظر إلي فعرفتها بنفسي: أنا الذي أحببت والدتك يوماً بجنون.