يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

المغادرون

نشرته بأخبار يوم بيوم 

في اللحظات الأخيرة من حياة الملكة ماري أنطوانيت، داست على قدم المكلف بإعدامها فقالت له: أسفة يا سيدي تقبل اعتذاري، وحين تقدمت مدام رولان للمقصلة وقبل أن تصعد إلى سلمها وأمامها وخلفها رجال ونساء، كل تهمتهم أنهم كانوا مقربين من بلاط لويس السادس عشر، حاول رجل أن يتخطاها لينتهي من عذاب الانتظار المؤلم، فإذا بها تمسكه من ثيابه وتزيحه عن طريقها وتقول له: أنت غير مهذب فالرجل الفرنسي يجب ألا ينسى قواعد الإتيكيت، تلك القواعد التي تفرض مرور السيدة أولاً.
 ففي لحظات الرحيل الأخيرة كان هناك ذوق واحترام، وفي لحظات الحياة العريضة نقابل أشخاصاً صادمين، يتصرفون بفظاظة وقلة ذوق، يرفعون الضغط ويستفزون الحجر، فأحياناً نكتب رواية نجعل أبطالها أحباب وأصدقاء وأقرباء، وحين نصل للصفحة الأخيرة نكتشف أنهم يختلفون كثيراً عن الواقع، وأنهم في الرواية لا يمتون للواقع بصلة ابداً، فأحياناً نعتقد أننا نعني شيء لأشخاص، ثم نكتشف أننا لا نعني لهم أي شيء وأن الشيء الوحيد الذي يعنيهم هو أنفسهم، وحين نتسامح معهم يعتقدون أنه خضوع، والتسامح ليس خضوع، إنه قاعدة كبرياء.
 فيدخل لحياتنا أشخاص نعتقد أنهم مهمين فيها، ثم يغادرنا كل واحد منهم بصدمة وتصبح حياتنا ملونة الجدران بألوان مواقفهم، لكل موقف لون مختلف وذكرى مختلفة، بعض الذكريات نحرص على ترميمها وتجديد طلائها، وبعضها ننتظر انهيار أخر بقياها، وتعود المياه إلى مجاريها في بعض الاحيان، لكنها لا تعود دائماً صالحة للشرب، هكذا هي عودة بعض الاشخاص إلى حياتنا، فلا أحد يتغير فجأة، ولا أحد ينام ويستيقظ متحولاً من النقيض إلى النقيض، كل ما في الأمر أننا في لحظة ما نغلق عين الحب ونفتح عين الواقع، فنرى بعين الواقع من حقائقهم مالم نكن نراه بعين الحب، فياعين الحب نامي.
للأسف في الفترة الأخيرة غادر من ميدان السياسة شخصيات كثيرة، ومن كثرة الذين غادروا، خُيل إليَ أن الحلبه السياسية تحولت إلى مطار وقاعة المغادرين فيه تكتظ بوجوه كثيرة وطائراته التي تقلع لا تعود، والوحشة تمزق المقاعد في قاعة القادمين، فهناك الذين غادروا بإرادتهم والذين غادروا بدون ارادتهم، فالذين غادروا بإرادتهم كلنا يعرف الأسباب لأنهم لم ولن يقبلوا أن يكونوا مجرد دمى في أيدي غيرهم، أما الذين غادروا بدون ارادتهم، فبدأو بسيل الاتهامات والادعاءات ثم مضوا في النهاية، وفي اعماقي أراقبهم ببرودة ميت، فأشعر أنهم سيحملون أحذيتهم بأيديهم وسيمضون على عجل، لن يُتح لهم الوقت لانتعالها والرحيل بكرامة، فعند الرحيل لن يحرصوا على اناقة البدايات وسيفقدوا من عطرهم الكثير، فبعض النهايات تأتي كأنثى مهملة الشعر رثة الثياب، تتصرف معنا بلا أدب وبلا أخلاق، فنادراً ما نصادف في العمر نهاية حسنة التربية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق