يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

وحدهم اللصوص ينجحون



نشرته بأخبار يوم بيوم في يونيو 2012

أخشى أن يأتي زمان يمتحن فيه الجيل بمفهوم الكرامة والعروبة والوطنية والوطن، فتبقى خانات الإجابات فارغة.. أمام منزلي شجرة انحنت وماتت مائلة، حتى الشجر أمسى لا يموت واقفاً في زمن كسر الكثير من القامات، فأحياناً يأتي الحزن على غير ما نشتهي، فهناك من يصنعون الأحزان للبشر أكثر مما يصنعها القدر، وهناك من تكون مواقفهم كالفنار للسفن في ليلة مظلمة، نستهدي بهم إلى شط الأمان، وهناك من يحفرون في ذاكرتنا مواقفهم بيديهم، فتكون لهم الكهوف المحصنة في ذاكرتنا.

فكل ثوار يخربون ويأذون الغير يفقدون ثوريتهم وإنسانيتهم، وكل سلطة تقتل شعبها تفقد شرعيتها وإنسانيتها، فجميع السلطات تقوم باسم الإنسان ولأجله، ومتى حولت الإنسان إلى ضحية ومجرد عدد، سواء أكان في صناديق الاقتراع أم صفحات الموتى، فإنها تفقد الشرعية الإنسانية والأخلاقية، ولا يعود سلوكها مختلفاً عن أي إجرام آخر، فالشرفاء لا يجيدون الدخول من النوافذ وإن حاولوا يسقطون سريعاً، وحدهم اللصوص ينجحون.
الأحلام الآن تحترق ومصر كأنها امرأة مسنة تقترب من نهايتها، هذا ما أشعر به، فهل هكذا تشعرون؟ فحلمنا كثيراً ونحن في حالة جوع للفرح، فهل سيأتينا الفرح بعد أن نشبع من الحزن ويكون ليس بنا للفرح شهية، فبعض الواقع أكبر من قدرتنا على استقباله واستيعابه، فنغمض أعيننا عند مواجهته بقوة نفتحهما ونكرر، فهناك مرحلة تلي الألم تسمى مرحلة اللاتصديق، مرحلة نتمنى فيها تحويل الحزن إلى كابوس ليلة ينتهي باستيقاظنا في فراشنا، فعندما يترك أحدنا يد الآخر رافعاً راية الخذلان، يمضي الصافع باتجاه الغد ويمضي المصفوع باتجاه الأمس، فالأنقى يغادر الأطلال سريعاً.
والآن نكتب وحبر أقلامنا ممزوج بالدمع حزناً على شباب قدموا أرواحهم في سبيل حلمهم المشروع بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية، نبكي على ثورة كادت أن تكتمل لولا أطماع البعض وجريهم وراء السلطة، فلم نعطي صوتنا لمن قتل اخواننا ولم ولن يكون لمن تاجر بالدين.   
ما يميز الثائرون الحقيقيون عن سواهم هو مستوى وعيهم، في زمن تتراجع فيه لغة العقل وتتقدم لغة الغرائز والعصبيات، لا يملك الثائر الحقيقي سوى إعلاء شأن العقل، حتى لو كانت لغته هذه الأيام أقل  شعبية واستقطاباً من سواها، تبقى لغة العقل أشد فعلاً، حتى في مواجهة القتلة الذين لا يفرحهم شيء مثل فرحهم بجر خصومهم إلى ملعبهم ووسائلهم وأساليبهم الحقيرة والمدانة، من افتعال الفوضى والشرذمة والخراب، ومن هنا الرهان على الثوار أنهم سينتصروا للحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق