نشرته باليوم السابع والبديل وأخبار يوم بيوم والمواطن والكرنك
إذا أردتم أن تقيسوا مساحة علاقاتكم الإلكترونية، تخيلوا
لو انقطعت كل وسائل الاتصالات الإلكترونية في العالم، فكم علاقة ستبقى في محيط
واقعنا؟
أصبحت كل حياتنا أجهزة نحرص على
عدم نسيانها وشحنها باستمرار وعلى أن تكون أول ما نرى عند الاستيقاظ وأخر ما نلمح
قبل النوم،
أصدقاء الإنترنت لم يدخلوا بيوتنا من أبوابها ولا نوافذها، دخلوها من
أجهزتنا الكترونية، فكلما تم اختراع وسيلة تواصل اجتماعي، إزداد عدد الأصدقاء على
شاشات أجهزتنا، فأصدقاء فيس بوك وتويتر والواتساب وانستغرام... أصدقاء كل هذه
الاختراعات لا يمسحون دموعنا، لا يحملون لنا باقات الورد في أفراحنا، لا يُحيطون
عند المرض أسرتنا، ولا نتناول أدويتنا بأيديهم....
أصدقاء النت شاركونا دهشة الاختراعات ومتابعة الثورات، ودافعوا عنا
إلكترونياً، وأحبونا إلكترونياً، وناقشونا إلكترونياً، وعبروا عن مشاعرهم تجاهنا
بلايكات وكومنتات وتغريدات وبرودكاست، هم قريبون منا جداً ورائعون جداً، لكنهم لم
ولن يعوضونا عن أصدقاء غادروا بيوتنا من أبوابها منذ زمن، رفاق لم تغطي وجوههم
الأقنعة كما غطتها غبار الزمان.
ليت تويتر ظهر في زمن الأبيض والأسود، لكانت التغريدات مليئة بالحب والحنين وارتاحت قلوبنا من قراءة مشاحنات أهل الدين والفن والسياسة.
التويتر والفيسبوك
الفضاء الأوسع انتشاراً بين الناس، والمكان الأرحب للبوح والقول والتعبير، ولإثارة
القضايا والأسئلة، كما أنهما مجال رحب لاكتشاف مواهب في الكتابة الساعية إلى القول
النظيف والحقيقي، تماماً كما انهما مجال رحب لفضح مكنونات نفوس مريضة ومرتبكة
وقلقة، كما يتيحان للجميع قول ما يريدون من دون قيد باستثناء قيدهم الأخلاقي
الذاتي.
لكن لابديل عن التواصل الإنساني المباشر، فمهما تطورت وتنوعت وسائل التواصل
الافتراضية، تبقى مفتقدة لحرارة اللقاء الإنساني وحميمته، فالقرن الماضي بدأ بنهضة
أدبية وفكرية عظيمة، وانتهى بالأيديولوجيا والتكنولوجيا التي حلت محل العلوم
الإنسانية على كافة الأصعدة، حتى في المدارس والجامعات لم نعد نجد اختصاصات أو
اساتذة للمواد الإنسانية، فلا يمكن للحياة أن تستمر من دون الفكر والقيم
الإنسانية، فالتكنولوجيا على الرغم من أهميتها، لا يمكن أن تسد هذا النقص وتعوض ما
للثقافة والإنسان من قيمة كبرى في الحياة، فهي في خدمة الفكر وليس بديلاً عنه،
ونتمنى أن تعود الأمور لطبيعتها بالسعي إلى إعادة القيم والعلوم الإنسانية إلى
مكانتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق