يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

فراغ سياسي





نشرته بالبديل وأخبار يوم بيوم والمواطن

إن تعلمنا أن نهتم بالأحداث وأن نعيشها بوعي، سنتحرر من طغيان التاريخ ومن قواه غير المرئية، التي ليست في الحقيقة إلا قدرة الآخرين على تحديد مسار حياننا..

أصاب دول الخريف العربي الفراغ السياسي، وأصبحت مهنة الفراغ هي المهنة المتوفرة سياسياً، فهناك تعريف مختصر بكلمة واحدة للسياسة وهو "المصلحة" ولا يكتفي هؤلاء بممارسة السياسة باعتبارها فن الممكن، بل يساسو الناس أي يقودوهم، حيث أن كلمة يسوس أو ساس الناس أي قادهم، وهؤلاء مغرمون بالتعريفات الرنانة.

لسنا في وارد التحليل السياسي الآن، يكفينا مالدينا من وفرة محللين ومعلقين تكتظ بهم شاشاتنا وصحفنا ومواقعنا الالكترونية، حيث يختلط الصالح بالطالح والعارف بالجاهل، جُل ما نرمي إليه هو كيفية تحصين ذواتنا الداخلية في مواجهة ما نعيشه من قلق وما يدور حولنا، لعل بداية الحلول تكون عبر تحقيق الدولة العادلة التي تحقق المساواة والعدالة الاجتماعية بين مواطنيها كافة، ولكن كيف نواجه بشاعة القتل وسفك الدماء، طبعاً بالانحياز إلى تلك العدالة المرجوة، ولكن على المستوى الفردي الذاتي والداخلي، نحتاج إلى الكثير من الصفاء والنقاء والتصالح مع الذات وتدريبها وتمرينها على فعل الخير والحب، وليست عملية سهلة لأن النفس أمارة بالسوء.

وكل مسئول يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير فقط حين تتحدث بعيداً عن مؤسسته التي يرأسها، ففي زمن السياسة، أصبحت كتاباتنا فيه كثوب قديم ترتديه فتاة يتيمة على رصيف مهجور تشعر هي بدفئه، بينما يشعر المارة بغرابة مظهرها.

وكرسي المنصب أدق مجهر لجوهر الإنسان، لهذا فإن المناصب لا تغيرهم، إنها فقط تظهرهم بصورة أوضح، ولو أنهم يحرصون على مقاعدهم في الجنة كما يحرصون على مقاعدهم في وظائفهم، لامتلأت مقاعد المناصب بالمتقين، فمأساتنا أننا كلما جاء مسؤل جديد، انتظرنا منه أن يكون مارد المصباح السحري الذي يحقق كل أمانينا، لهذا نحبط كثيراً..

فمصر ما زالت تبحث عن تعويذة الخلاص، وأصدقاء الأمس هم أعداء اليوم، وأعداء الأمس يمكن أن يصبحوا أصدقاء اليوم، فكل شيء ممكن في السياسة، وكل أمر وارد في الثورات إلا الأمان والاستقرار ورخاء المواطن، وكل الشماعات جاهزة لتبرير الفشل، فأحياناً تكون الشماعة هي القوى الخارجية التي تُتهم بأنها السبب في الفشل بالحد من الموت العبثي والتفجيرات المدروسة بعناية، وأحياناً يكون النظام السابق هو الشماعة التي تبرر الغلاء الذي يطحن المواطن البسيط، ولا تتوقف الأعذار والتبريرات التي امتلأ الفضاء الإعلامي بها، وما أحوج البعض إلى معرفة الفرق بين الانتماء والولاء، فالانتماء يكون للدولة، أما الولاء فيكون لقيادة الدولة، وإن غياب الولاء أو وجوده في مكانة متأخرة من خارطة اهتمام الفرد، يجعله لقمة سهلة لأي طالب ولاء، وهكذا تصبح الأرض قابلة للتداول، والدولة تعادل ورقة انتساب أو عضوية.
أسامة حراكي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق