يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

السلطة والإعلام والعودة إلى الذات






نشرته في البديل وأخبار يوم بيوم والمواطن

في منتصف العام الماضي أقام الطبيب الجراح والذي أصبح الإعلامي باسم يوسف مؤتمراً صحفياً، أعلن فيه إنهاء برنامجه الساخر الأشهر عربياً "البرنامج" وفي نهاية المؤتمر حرص باسم على أن يلتقط صورة وسط فريق العمل، وهو ممسك بلافتة كتب عليها "النهاية" ربما قصد باسم يوسف بهذا نهاية قصة برنامجه المثير للجدل، لكنها كانت نهاية ما هو أكثر من برنامج تلفزيوني، ربما نهاية حالة إعلامية قلما حظي بها شعب مصر خلال تاريخه الحديث.

فبعد خلع مرسي دخلت البلاد في دوامة عنف لأشهر طويلة، توقف حينها برنامج باسم يوسف، وحين عودته من جديد محاولاً أن ينتقد النظام الجديد، حاصر بلطجية النظام المسرح الذي يقدم عليه برنامجه أثناء تسجيل الحلقة الثانية، والتي منعت من العرض، فانتقل باسم إلى قناة جديدة، وجلس المتابعون ليتابعوا حلقته، لكنه تم التشويش على القناة بشكل كامل، بعدها قامت القناة بفسخ تعاقدها معه لتنتهي قصة البرنامج، وأسدل الستار على قصة الإعلامي الذي جسد ببرنامجه حكاية الإعلام في ثلاثة أعوام، وبدأت النهايات تكتب أيضاً في قنوات أخرى، وعلى صفحات الجرائد منع العديد من الأقلام من الكتابة، ومن على الشاشات اختفت الوجوه الثورية، بعد أن شُنت عليها حملات منظمة، فيما آثر آخرون السلامة وصمتوا من تلقاء أنفسهم.

بعدها استعدت السلطة للمواجهة الإعلامية وأعدت العدة لذلك، فاستعانت بأذرعها الإعلامية أو بمن يوصفون بـ "الأمنجية" الذين تسلقوا الثورة وتاجروا بها من منطق الانتفاع والتنفيع،
واحترفوا التحريض على المعارضين، وضرب مصداقية الأخبار الصادرة منهم، برغم أنهم يفتقرون إلى التأثير المنشود، فكشفت السلطة عن وجهها البوليسي بحجة الأمن القومي للبلاد، وسعت الى اتهام معارضيها بالعمالة، وتلبيس من يعارضها لبوس الأبالسة، وتلفيق القصص المسيئة لكرامتهم. 

بعد أربع سنوات من الثورة عاد المشهد من جديد كما كان، برامج رديئة وموجهة عزف المشاهدون عن متابعتها بعدما أكلهم الملل وحفظوا ما قيل وما سيقال، ذلك أن كثيراً من المشاريع الإعلامية بدأت إنطلاقاً من موالتها للسلطة وليس بناء على الخبرات والكفاءات، والتي وقع منها الكثير في مطب الرداءة من حيث تدري ولا تدري، وسيقع الباقي لأن العمل الذي ينطلق من دون تخطيط كافٍ، مع إغفال المهنية والاحترافية ، لن يقوى على الاستمرار في التنافس والإقناع، فالموهبة الحقيقية تكتفي بذاتها وتتكل على ذاتها، وهي وحدها ما يبقى عابراً للزمان والمكان، اما ما تبقى من زوائد ولزوم ما لا يلزم، فإلى تلاشٍ وزوال.

فالطريقة التي غضب منها الشعب قبل أربع سنوات، والخطاب الإعلامي المنحاز، عادا مؤخراً للظهور مجدداً، كما لو أن شيئاً لم يحدث، أربع سنوات من التحولات لم  تُعد إنتاج سوى الطريقة نفسها والخطاب ذاته، مع بعض التعديلات البسيطة التي فشلت وستفشل في التصالح مجدداً مع الشعب الطامح لهامش أوسع من الحريات، تغيرت الأسماء والوجوه، وسقط المئات من الشباب في الشوارع والميادين ومدرجات الكرة، ولم يغير الإعلام بوصلته، بل أصبح أكثر إصراراً على العودة إلى ما قبل 2011 وهذا الوضع قد يشعر البعض باليأس، وقد يشعر بعضاً آخر بحتمية إعادة التفكير في ميكانيزمات عقلانية لبلوغ التغيير العميق والحقيقي.

السلطة اليوم أصبحت تسيطر على الإعلام المصري، وتجبر العاملين فيه على التبعية، والأستلزام لها والالتزام بسياستها، ولابد لكل من يعمل في الإعلام من الرضوخ للسياسات الأمنية التي تفرضها السلطة، لأن وسائل الإعلام عادت كما كانت تدار بذهنية المخابرات، وفرطت بقيم المصداقية والمهنية لصالح الولاء، ولم يعد مطلوباً من الإعلامي ان يحافظ على مصداقيته، بل أصبح مطالباً بتقديم فروض الولاء والطاعة.

حتى مبارك الذي كان محل لعنة أصبح كبطل قد ظلم، والثورة التي تغنى بها الجميع أصبحت مؤامرة، لذلك تكون العودة إلى الذات لممارسة النقد بقسوة واجباً ثورياً، فنحن نعرف أننا نعيش زمناً استهلاكياً بامتياز تسود فيه القيم المادية والنفعية، وأن العولمة مثلما قدمت الكثير من الإيجابيات، فإنها في الوقت نفسه، سببت الكثير من السلبيات، وفي مقدمتها إعلان شأن الماديات على حساب أمور أخرى أكثر أهمية، فإن دور الإعلام الحقيقي هو التصدي لتلك المفاهيم المغلوطة وإعلاء شأن القيم الإنسانية النبيلة، لأنها الأبقى والأكثر نفعاً للناس ونفاذاً في الزمن.
أسامة حراكي




هناك تعليق واحد:

  1. Top Tinti Titanium Max - 3 Tips - Titanium Art
    This 메이피로출장마사지 is the top titanium max titanium water bottle of titanium stud earrings 3 Tips. We use titanium framing hammer different tools for creating our ultralight sports car that offers some of the sunscreen with zinc oxide and titanium dioxide best quality,

    ردحذف