يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

السادة اصحاب المناصب


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي


لا شيء ينفع مثل التسلح بالمعرفة والثقافة وتحصين الوعي بالتواضع الذي قال فيه غاندي:"ندنو من العظمة بقدر ما ندنو من التواضع" خصوصاً أن كل شيء زائل وكل الأضواء والبريق مجد باطل، وما يبقى هو الذي ينفع الناس ويسهم في جعل حياتهم افضل، ولولا محبة الناس ومشاعرهم الجميلة الجليلة لما استطاع أي كان أن ينجح ويستمر في مكانه.

لقد تم اسقاط النظام نتيجة ثورة الشباب، فخرج الكثير من القادة والمسؤلين الذين اصبحوا الآن قادة ومسؤلين سابقين، وقد كان هناك الكثير ممن كان ينتظر أن يكونوا قادة ومسؤلين من اعضاء الحزب الوطني الذين كانوا يحبون أن يكونو من اصحاب المناصب وفشلوا في الوصول أو الصعود إليها، الذين اشفق عليهم واقول لهم لا تغيروا سلالمكم ولا احذيتكم وإنما غيروا نياتكم.

واقول لهم ولمن سيأتون بعدهم، الذين سيجدون انفسهم في احدى جمل المقال بوضوح، كونوا الأقرب لأنفسكم وصارحوها بينكم وبينها ايهم انتم، ولا تنتظروا الإجابة من غيركم فربما يقف المنصب حاجزاً بينكم وبين صدق اصواتهم، فحاسبوا انفسكم في الدنيا قبل أن تحاسبوا في الأخرة ولربما لا ينام بعضكم الليل يسهر مع ضميره الحي يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الحي الذي لا ينام.

وفي شتى مجالات الحياة نتعامل مع اصحاب المناصب، من كل الأحجام والفئات والأخلاق والصفات، بعضهم من يحفر اسمه فينا وفي منصبه حفراً طيباً، فإذا ما غادر يوماً تعذبنا من ألم فقدانه، وبعضهم من يحفر اسمه بنا كجرح يجبرنا الوقت على احتماله، فإذا ما رحل احتفلنا برحيله،

بعضهم يتقدم نحو المنصب على استحياء وبخطى متثاقلة يقيناً منه أنه يخطو نحو مسؤلية عظيمة، فيتسلم المنصب بتواضع العظماء يعمل ويبني ويمنح، يسخر منصبه للخير وحب مصر ويردعه عن الشر مخافة الله وحب مصر ايضاً، وبعضهم يكون المنصب آخر عهده بالإنسانية، فيتجرد من كل ما يمت للمشاعر بصلة ولا يرى ابعد من مكتبه، ويتخذ من المنصب وسيلة لتصفية حسابات شخصية، فتستدعي ذاكرته كل الوجوه التي اساءت له يوماً أو اختلفت معه، فيظن أن المنصب هو فرصة انتقام نادرة قد منحه اياها القدر وأن من الغباء اضاعة الفرصة، فيوقظ المنصب فيه كل عقده القديمة بدءاً من جنون العظمة وانتهاءاً بعقدة النقص التي تلازمه مهما اكتملت فيه الأشياء، وبعضهم لا يفرق بين المنصب ومصباح علاء الدين الذي سيخرج منه المارد ليلبي كل ما يحلم به، ويظن أن منصبه مغارة علي بابا بكنوزها وجواهرها ولا ينقصه إلا أن يقف وراء المنصب ويقول افتح ياسمسم، وبعضهم لا يمسك بالمنصب وحده بل هو وعائلته واقاربه واصدقائه، ويكون كالنهر العذب لكنه لا يسقي سوى المقربين منه فالأقربون اولى بالمعروف، وكأن المنصب تركة ورثها عن اباءه، وبعضهم يتخذ من المنصب جسراً للوصول إلى قلوب الناس ويتفقد موظفيه كل صباح كما يتفقد اهل بيته، ويتخذ من المنصب بداية جديدة له، فينسى كل ما يتعلق بمرحلة ما قبل المنصب ويفتح صفحاته البيضاء بينه وبين الآخرين، وبعضهم يفتح اذنيه لريح الكلام ويطلق كلاب حراسته في كل الجهات، فلديه حساسية قاتلة من كلمة شعب ويظن أن حديث الشعب عنه تهديد له وهزة لعرشه العظيم، فيعطي من طرف اللسان حلاوة وينسج لطالبيه الوعود والعهود، فإذا ما ادار ظهره لهم القى بوعوده وعهوده في ذاكرة نسيانه.

المنصب ككرة القدم قد تلقيه الحياة في مرماكم على غفلة وقد تسلبه منكم بالغفلة ذاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق