يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

ثورة الحرية والأخلاقيات الجديدة


نشرته في موقع اتحاد الشباب التقدمي وجريدة أهالينا

على مدار ثلاث عقود والأحداث تتأجج وتتصاعد في كل انحاء مصر، كان المواطن المصري على هامش الحدث وليس جزءاً منه، ضحية له دون أن يكون له دور فيه، يدفع قوت يومه وأحياناً حياته ثمناً لاتفاقات ومؤامرات لسياسات مجحفة.

عبر ثلاث عقود غلف اليأس نفوس المصريين ونسجت عنكبوت الصمت خيوطها على بلد كان يعيش شعبه في نوم عميق، كان التاريخ سيسقطهم من كتبه كما اسقطهم النظام من حساباته.

ثلاث عقود مرت وكان المصريين يعيشون في مدرجات الساحرة المستديرة ويصحون من سباتهم أمام مباريات كرة القدم كلهم حماس ومشاعر وطاقة وانفعال في بطولات كروية تختزل مصر بكل معانيها.

ثلاث عقود من الزمن كانت فيها عقارب الساعة تسجل موتاً إكلينيكياً لشعب أدمن الصمت، كان يبحث عن الأمل في غابات اليأس فلا يجده، فينام على وسائد القهر والظلم والإحباط مكمه الأفواه، مقيد اليدين ملقى في غياهب النسيان.

وأخيراً أفاق من سباته الطويل في الخامس والعشرين من يناير، وكان يظن أن الزمن تجاوزه وأنه لن يصحو على صوت الكرامة والحرية، ولن تشرق شمس التغيير على أرضه المنسية.

صرخات مؤلمة وموجعة انطلقت من حناجر أنهكها الزمن والحزن، وزرع اليأس نفسه فيها، تبحث عن نفسها وعن مستقبلها، عن قوتها وأمنها، عن لقمة عيش غير مغموسة بالذل والهوان، عن الأمان وعن مكان تستطيع من خلاله أن تصل للغد، وأن تجد لها مكاناً في القطار المتجه نحو المستقبل، هذا القطار الذي تجاوزها من سنين وتركها بين يدي نظام ظالم وفاسد يعبث بها.

احتجاجات ومظاهرات ومطالب عادلة، وشباب متقدم لانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، ومشاهد مؤثرة ولقطات مبكية وصور مخيفة، فهل يعقل اطلاق النار على مدنيين عزل أرادوا التعبير عن بعض حقوقهم الإنسانية، كيف يعقل زرع الجثث في الشوارع والميادين وتلوين الإسفلت بالأحمر من دم الشهداء في عتمة الليل؟ هذا هو النظام، لا اجد كلمات تصف حجم الخيبة والألم والقهر، ولا يمكن التغاضي عن بطشه القاتل البغيض الذي انعدم عنده أدنى حس إنساني، هذا النظام الذي لم يكن يؤمن بالمعجزات وكان يدافع عن الوهم لدرجة أنه ظلم اليقين، فكان يعتقد أن القوانين عنده لعبة كرتونية يلصق قطعها ويشكلها كما يحب ويشتهي، ومصر لديه "سبورة" يمسح خارطتها ويغير تضاريسها بما يتوافق مع أمانيه، لكن مصر ليست بيت من رمل يشيده بسهولة على شاطىء البحر ويتقاسم غرفه وممراته وطرقاته وذكرياته، ولا حكم شعبها علبة مذهبة يختاره على ذوقه.

فيامن تدافع عن النظام، هذا النظام لن يعود، فالزمان لن يعود من أجل أحد يوماً إلى الوراء، فالأزمنة لا تتوقف ولا تسير للخلف من أجل إعادة الصبا لحلم مسن أو أمنيه شاخت على محطات الإنتظار، فالشباب ساروا على أجساد أحبائهم ليصلوا لما يريدون، وقفزوا على قامات وُقرائهم ليتسلقوا السور الذي يريدوه، بعد أن تم توصيفهم بالهامشية والسطحية وعدم اهتماماتهم بقضايا مجتمعهم الجوهرية والحيوية، لكنهم أثبتوا أنهم شريحة فعالة ومؤثرة قادرة على صنع التغيير المنشود، بعد أن أنضجتهم التجارب والمحن وفتحت وعيهم على المسائل المصيرية التي تصنع غدهم ومستقبلهم، هاهم أكثر وعياً وتقدماً وشجاعة من قياداتهم وأحزابهم وتياراتهم على اختلاف مواقعها وتوجهاتها وأهدافها، فقد صنعوا ما عجزوا هم عن صنعه، وفرضوا تغييراً على مستوى تطلعاتهم، مشحونون بالتغيير ومستعينين بثورة الإعلام ووسائل الاتصال التي هدمت جدران الكبت والتعتيم، واوقفت أجهزت الرقابة عن عملها.

تلك الثورة جعلت الشعب أكثر وعياً وإدراكاً وحراكاً، وأكثر طلباً للحرية والكرامة ولقمة العيش، وستكون هناك نصوصاً وأعمالاً إبداعية تخلد اللحظات التي صنعها الشباب الذين ظُلموا كثيراً وطويلاً.

Cizar_omk@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق