يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

اخفاء الشمس بغربال


نشرته بأخبار يوم بيوم
من حق كل مصري التعبير عن رأيه وموقفه من القضايا الراهنة، ومن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وسواها، بل من واجب كل فرد إعلان موقفه مما يجري في وطنه ومجتمعه واختيار الفكر السياسي الذي يراه معبراً عنه ، وكذلك كل فصيل سياسي عليه أن يسعى إلى الارتقاء بالوعي الفردي والجمعي عبر تقديم برامج معبرة عن أحلام الناس وتطلعاتهم، بدل الانخراط في سجالات متدنية المستوى لا تخدم قضيةً ولا إنساناً، وأصبح واضحاً جداً نية كل فصيل من أفعاله، فمن يريد التعبير عن مواقفه وآرائه نجد كلامه يشبهه ويشبه برنامجه، فالكلام صفة المتكلم.
فلم يعد هناك ثوابت، ننام على أشياء ونستيقظ على منتقضاتها، والأمور اختلطت بشكل مخيف وتبادل الأدوار مرعب، ففي الكثير من مواقف الحياة باتت الرؤوس تؤدي دور الذيول، والذيول تؤدي دور الرؤوس، فأعتقد أنه حان الوقت لكي نجلس جميعاً مع أنفسنا ونستعيد المراحل التي قطعتها ثورتنا ونستعرض مشوارها القريب، لنكتشف أنها لم تعد أبداً في حاجة إلى من نصبوا أنفسهم حماتها، وأنها بلغت مكانة تستطيع الاتكال على من قاموا بها، سواعد ابناءها، فقط على سواعدهم التي فيها أضعاف أضعاف ما يمكن أن يفعله من ادعوا أنهم من قاموا بها أو من نصبوا أنفسهم حماتها.
فهناك أشخاص يموتون الآن في داخلنا عراةً من كل شيء إلا أكفان النهاية، وكأنهم يستعدون لقبر أنفسهم بأنفسهم، فحين شعروا بدنو أجلهم في داخلنا غسلوا نفوسهم وكفنوها وصلوا عليها كي يناموا في قبورهم بسلام، لكن قبل ذلك نظروا إلينا لربما نساعدهم قبل أن يفعلوا ذلك، لكن نحن نعجز عن إنقاذهم، فقلوبنا لم تسامحهم على تركهم وحدنا بالميدان كي يجمعوا الغنائم.
البعض كان يظن أنهم بحر الخير لكن اكتشفوا أنهم لم يكونوا سوى ذرة ملح ستذوب وتختفي كأنها يوماً لم تكن، والتفاحة لم تكن مسمومة لكن نية الأقزام كانت مسمومة جداً، ونحن تعودنا أن نحافظ على رموزنا الدينية والسياسية والثقافية والفنية والعاطفية قدر استطاعتنا، لكن أفعالهم بدأت تأخذنا إلى حيث لا رمز ولاكبير، وأصبحنا نشعر بأنهم ليسوا منا، فالذين ينتسبون إلى غير أوطانهم الحقيقية سيشعرون بكل شيء إلا الانتماء، ومن أشد مسببات الشعور بغربة الزمن هو إحساسنا بأنا نحيا في زمان متشابه الأحداث وكل ما فيه متكرر، فنغالط إحساسنا بهم كثيراً ونغض أبصارنا على الكثير من سوادهم ونحاول من أجل الاحتفاظ بهم إخفاء الشمس بغربال.
لكن مصر هي مصر وشعبها هو نفسه الذي صنع ثورة مباركة عظيمة، وما تراجع هو النُخب الحاكمة والسياسية والفكرية والإعلامية والمنتجة للقوانين التي صادرت ثورة الشباب ونحتهم جانباً، وأتاحت لقرود الزمن الرديء التنطح لأدوار ليست لهم، لكن من يعرف أبناء مصر جيداً ويفهم روحهم النابضة دوماً، يعرف أنهم يُمهلون ولا يُهملون ولا بد أنهم سيخرجوا مصر قريباً من محنتها، ويعيدوها رائدة العرب والعروبة.
فيا شباب مصر أكملوا الطريق للأمام مهما اشتدت رياح الفقد أمامكم، فالزمن لا يعود إلى الوراء أبداً ولا تذاكر تباع للسفر إلى الأمس، لهذا يبقى الأمس محطة في الذاكرة فقط لا نعود إليها وإن عدنا فلن نعود إلا خيالاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق