يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

في ضيافة الزعيم مانديلا



بدأت عجلات طائرة مصر للطيران ايرباص 340 رحلة رقم 839 والمتجهة من مطار القاهرة إلى مطار جوهانسبيرغ ترتفع عن سطح الأرض وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً من يوم الأحد 12 ديسمبر 2010 ، وكنت احد ركابها ضمن الوفد المسافر ممثلاً لإتحاد الشباب التقدمي المصري في مهرجان الشباب والطلاب السابع عشر الذي ينظمه اتحاد الشباب العالمي الديمقراطي "وفدي" تحت رعاية حكومة جمهورية جنوب افريقيا.

كان الركاب قد شدو احزمة مقاعدهم استعداداً لرحلة جميلة وطويلة، وكان التعب يجد نفسه ضيفاً ثقيلاً فيغادر بسبب الشغف بالمهرجان واموره، فالحديث مع الأصدقاء اقوى من أن يبتلعنا التعب، وذلك أن السفر مستمر في تحريضنا على اكتشاف الجديد، فالسفر مفتاح للمعرفة والتواصل والتعارف والبحث عن الجديد والمفيد، فهو شيء حي ونابض بالحب والعطاء واضافات شتى للمرء.

وبعد 8 ساعات وصلنا لسماء جنوب افريقيا وكان النور قد سطع علينا صباح الأثنين 13 ديسمبر وكانت الساعة السابعة والنصف وهو نفس توقيت القاهرة، وظهرت الأكواخ المتناثرة بين المساحات الخضراء الشاسعة، وحين هبطت بنا الطائرة وانهينا اجراءات الوصول خرجنا من مطار جوهانسبيرغ التي تستقبل القادم إليها بمناخ هادىء قبل أن تسعده بأمطار هادئه أحياناً، وغزيرة أحياناً أخرى، واستقبلنا احد افراد اللجنة المنظمة وصحبنا للسيارة التي ستقلنا إلى بريتوريا المدينة التي تستضيف المهرجان، والمسافة بين المدينتين اقرب من أن ينتبه المرء إليها في سعيه إلى معاينة طبيعة استقت من الحياة جمالاً وروعة، جعلت الحوار بيني وزملائي الصمت لأننا مشغولون بلغة الصور.

ثم وصلنا لبريتوريا التي استقبلتنا بشمسها المشرقة وطقسها المائل للحرارة، وبريتوريا هي العاصمة الإدارية لجنوب افريقيا التي توجهت إليها الأنظار وكاميرات التلفزيون من 11/6 إلى 11/7 / 2010 حيث حظيت بشرف استضافت مونديال كأس العالم لكرة القدم، هذا الحدث الذي يتكرر كل 4 سنوات، ولم تنال شرف تنظيم نهائياته أي دولة في قارة افريقيا من قبل، وجنوب افريقيا بلد في أمس الحاجة لتلميع صورته السلبية الماضية على الساحة الدولية، بسبب عقود طويلة من نظام فصل عنصري، لم تتلاش ذكرياته من أذهان الناس، وإلى ذلك فإن الرهنات الإقتصادية والإجتماعية لحدث مهم كهذا، ربما تعد أكثر اهمية من النتائج الرياضية في حد ذاتها من منظور الإتحادات الرياضية وقيادات البلدان المنظمة، إذ تشكل احداث كهذه مناسبة تحفز سوق البناء والتعمير، ودفع عجلة قطاع الخدمات أيضاً حيث اتاحت 130 ألف فرصة عمل وتحصيل 2.5 مليار من الضرائب ورسوم اضافية، عززت موازنة الدولة، بحسب تقارير وزارات الإقتصاد والمالية والعمل لحكومة جنوب افريقيا، واجتماعياً حرصت السلطات على اغتنام فرصة المونديال للتوصل لحالة انفراج، او ربما وفاق بين فئات المجتمع المختلفة في بلاد تكثر فيها الإضطرابات العرقية والطبقية، وتتسم بأنها تشهد إحدى أعلى نسبة الجرائم في العالم.

ثم وصلنا لجامعة تاشوان حيث كان سكن الطلبة فيها هو مقر اقامة الوفود المشاركة، ويعد السكن منتجع هاديء وجميل جداً، وما إن وضعنا امتعتنا وغيرنا ملابسنا حتى خرجنا نستطلع المنطقة حولنا ونشاهد سحر الطبيعة، وحين اقترب موعد افتتاح المهرجان توجهنا مع الوفود إلى استاد بريتوريا، بانتظار وصول الرئيس الجنوب افريقي "جاكوب زوما" للإفتتاح، وحين حضر صاحبه حرس الشرف إلى المنصة، ثم دوا صوت المدفعية بـ 21 ضربة في سماء بريتوريا، ثم عُزف النشيد الوطني، وبعدها بدأ حرس المشاة باستعراضاتهم بمصاحبة عزف فرقة المرشال العسكرية، ثم استعرضت القوات الجوية طائراتها بأكثر من 9 طلعات جوية، وبعد نهاية الإفتتاح رجعنا لمقر الإقامة.

وعلى مدار 10 أيام قضيناها بالتعرف على عادات وفلكلورات وفود الدول المشاركة في المهرجان ومصادقتهم، ومقابلات الأشقاء من وفود الدول العربية والسهرات التي قضيناها معهم والحوارت التي استمتعنا جداً بها، اصبحت لقاءتنا ملتقيات سياسية وفكرية وجلسلت مفتوحة للشعر مع متعة المُشاهدة للطبيعة والسهر واللقاءات والنقاشات التي زالت الحدود التي وضعها الإستعمار بين بلداننا، إلا أن هناك مناقشات صدمة البعض منا، ومنها غياب القضية الفلسطينية والإنشقاقات والتمزقات الإنسانية والمجتمعية بين ابناء الوطن الواحد المنقسمين لجبهتين، المغرب الرافضين انفصال الصحراء الغربية عنهم، والصحراويين (الساقية الحمراء ووادي الذهب)الذين يطالبون بحق تقرير المصير، والذين غصنا وزملائي لقعر نواياهم و اكتشفنا قاع مجتمعهم بعنفه وتوتراته.

وبرغم الطبيعة الجميلة وصدقات شباب من جنوب افريقيا الأجمل، الذين يهبون لمساعدتنا حين نسأل عن شيء أو نضل الطريق، اكتشفنا أن هناك اشياء أخرى احضرنها معنا في سفرنا من دون أن نعلم، وأولها الحنين لمصر الذي لم تتسع له حقائبنا، لكننا حرصنا أن نأخذه معنا دون أن ندري، وهيئنا له مساحة كبيرة من الصبر، حيث اكتشفنا أن هناك اناس لازالوا عالقين في اذهاننا وكلنا شوق لرؤيتهم مرة أخرى، فقصص الحب التي كانت بداخلنا واعتقدنا أنها خارجنا، كانت تصرخ فينا قائلةً: لن ابقى وحدي وتصر على مرافقتنا، وذكريات الأقرباء واختلافاتنا معهم الغير مبررة، واحاديث لأصدقاء لازالوا على قيد الصداقة، كل ذلك كان معنا وبرفقتنا.

ومن أجمل المزارات السياحية هناك رحلات السفاري لمحمية ليون بارك،

حيث يتم التجول فيها بواسطة سيارات جيب محاطة بشبك حديدي، يستطيع الزائر مشاهدة الأسود والنمور بآمان والتمتع برؤية باقي الحيوانات من افيال ضخمة وقطعان ووحيد القرن و..... وعلى باب المحمية توجد لوحة شرف كتب عليها اسماء الذين اكلتهم الحيوانات المفترسة بسبب مغادرتهم السيارة، ولعالم البراري جمالياته الخاصة تحتار معه العين أين تنظر وماذا تتأمل، فالسحر يحيط بنا ويدعونا بإصرار على شكر الخالق أنه خلقنا وأوجد لنا دنيا فيها كل المقومات والروعة، ومنها الطبيعة الغنية بمكوناتها واشكالها الخام التي لم تسهم في جمالها يد الإنسان، اجواء قبلية تحيط بنا واكسسوارات ملونة تعبر عن البيئة الرائعة نفسها، وازياء من جلود النمور تتماشى معها، تمنح السيدة التي ترتديها اطلالة فيها الكثير من التحدي والشموخ المغلف بلمسات انوثية ناعمة، تجذب الناظر إليها وتثير الغرائز البدائية، لا احد يضاهيها جمالاً ولا سحراً ولا قوة، كأنها لبؤة في مملكتها.

وايضاً الوقوف تحت اقدام جبل شاهق كللته حكمة السنين، والسير في كهوفه التي حفرها وسكنها الإنسان البداءي، كأنك تعيش قصة من قصص ألف ليلة وليلة.

وايضاً زيارة منتجع من اكبر واجمل منتجعات العالم السياحية حيث تستطيع قضاء يوم كامل هناك أو المبيت وتجربة الحياة الثقافية لشعب جنوب إفريقيا الأصلي وتناول طعامهم أيضاً، وهو منتجع مدينة صن سيتي Sun City ، وأيضًا Gold Reef City مدينة جولد ريف التي تعد المتنزه الأول والرئيسي لمدينة جوهانسبيرغ حيث يستمتع السائح فيها بمشاهدة المناظر الطبيعية الرائعة خلال استقلاله لأحد القطارات ثم زيارة أحد مناجم الذهب على عمق حوالي 1000 قدم تحت الأرض حيث يتم النزول بمصعد والسير داخله والتعرف على طريقة استخراج الذهب من الجبل وتنقيته وتصفيته وصهره و... حتى خروجه سبائك ذهب خالصة.

وايضاً زيارة الضواحي الشمالية والمنزل الذي كان يقطنه الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك المتحف الأفريقي the African Museum.
ومدينة جوهانسبيرغ هي أكبر مدن جنوب إفريقيا وثالث أكثر المدن الإفريقية اكتظاظًا بالسكان بعد القاهرة ولاغوس، وهي مليئة بالفنادق والمطاعم والمجمعات التجارية الكبيرة، وفيها ساحة جميلة موجود بها تمثال للزعيم نيلسون مانديلا تعرف باسم ساحة مانديلا ،الذي بدأ عام 1942 معارضته لسياسة نظام حكم الأقلية البيضاء في بلاده، واعتقل في عام 1962 وسجن في جزيرة روبن، وفي عام 1985 عرض عليه اطلاق سراحه مقابل اعلانه وقف المقاومة المسلحة إلا انه رفض العرض، فأصبح رمزاً للحرية في القارة السمراء، وفي فبراير 1990 اطلق سراحه ونال حريته بعد 28 عاماً من السجن واصبح أول رئيس اسود لجنوب افريقيا عام 1994 ونال جائزة نوبل للسلام في نفس العام، ورفض الترشح لفترة رئاسية ثانية، وبرفضه هذا مثال لأهمية التغيير وتداول السلطة ومصداقية عميقة للديمقراطية والحياة السياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق